ممّا قيل عن الدنيا «أن نعيمها يضفو لكنه لا يصفو» وذلك لما يشوب الحياة من منغصات ومفاجآت صادمة، يدخل الشيطان في تفاصيل أسبابها، حتى تفضي أحياناً إلى طلاق المرء لزوجته، أو يصيب دماً حراما أو غير ذلك، وما ينجم عنه من معاناة. هذا كله يقع ونسمع عنه، لكن مالم يُسمع، أن يُقدم شخص على قتل آخر ثم يزبن والدة المقتول في منزلها مستجيراً بها، قائلاً لها «يا أُم فلان أنا قتلت ولدك فلان، وأنا الآن في وجهك أجيرني» فترد عليه قائلةً: «أبشر وأنا نورة أنت في وجهي» وتجوّره وتحميه، ثم تقوم لاحقاً بالعفو عنه، ابتغاء لما عند الله ولوجهه تعالى دون أي مقابل.

قام رجل المبادرات الأمير تركي بن طلال، أمير منطقة عسير، بزيارتها في منزلها مواسياً لها، ومشيداً بها وبعظيم صنيعها، الذي تجلّت فيه أبهى صور الكرم والإنسانية والحلم والإحسان، وفي أثناء زيارته روى له أحد الحضور تفاصيل القصة، التي كانت بطلتها تلك الأم المواطنة النبيلة نورة بنت محمد بن عبدالله آل عسيلة الواهبي الشهراني، التي أعطت درساً بليغاً في مكارم الأخلاق، جسّد أروع معاني الحكمة والعفو، والحلم والتسامح والتسامي على الألم، ربما لم يُرو منذ عفو حليم العرب «الأحنف بن قيس».

وقف الجميع لها شكراً وتقديراً، وألسنتهم تشدو لها بالدعاء والثناء، على هذا العمل النبيل الذي نتمنى أن يكون فيه من العظة والتأمل، ما يكفي لمن يتاجرون ببعض قضايا الدم. ختاماً ندعو الله لهذه الأم الكريمة بنت الكرام وأُم الكرام، بجزيل الثواب وأن يربط على فؤادها، كما ربط على فؤاد أم موسى.