شعرة معاوية، قميص عثمان، حديث خرافة، جزاء سنمار، مواعيد عرقوب، مزامير داود،سحر هاروت، غراب نوح، برد العجوز، سحابة صيف، طوق الحمامة، صواحب يوسف، بيضة الديك.. وغيرها كثير جداً, وهي كما نرى، تعبيرات أو أشباه جمل «مضاف ومضاف إليه» ومع ذلك فقد «أوجزت اللفظ وأشبعت المعنى» وفسّر الفرّاء - اللغوي المعروف - هذا الإيجاز المعجز بقوله «إن العرب إذا كثر الحرف على ألسنتها، وعرفوا معناه حذفوا بعضه، لأن من شأنهم الإيجاز» وعلى الرغم من أن الكثير من مثل هذه التعبيرات المسكوكة لايزال حيّاً، فإن مبناها ومعناها، ربما كان خافياً أو غامضاً لدى الأجيال الشابّة، التي كادت الصلة بينها وبين تراثها تنقطع.
مثل هذه المسكوكات أو التعابير المسكوكة تشبه الأمثال، في وظيفتها الجمالية والاستدلالية والإشارية، التي يلوح بها على المعاني تلويحا، ولكنها تختلف عنها في بنيتها الأسلوبية «حيث المثل القياسي جملة تامة، مكتفية بذاتها، مغلقة على نفسها» وممن ثم آثرنا أن نطلق عليها مصطلح «التعبيرات المَثَـلية» تفريقا لها عن «الأمثال القياسية» التامة. غير أن مثل هذه الفروق الدقيقة لم يؤبه بها كثيراً عند جامعي الأمثال من القدماء, فكان أن عرفت مثل هذه المسكوكات اللغوية شديدة الإيجاز، طريقها إلى كتب الأمثال «فن فنون المسكوكات اللغوية في التراث العربي» كما في جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري «ت 395هـ» وفي مجمع الأمثال للميداني «ت 518 هـ» والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري «538 هـ» وإن كان كتاب مثل الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة لحمزة الأصبهاني «نحو 351 هـ» قد جمع منها ما يزيد على خمسمائة تعبير أطلق عليها «نوادر الكلام» تمييزا لها عن «فن الأمثال» وأطلق عليها الزمخشري «538 هـ» «نوابغ الكلم» في كتاب له بهذا العنوان، كما عرفت أيضاً باسم «المضاف والمنسوب» على نحو ما فعل الثعالبي، أبومنصور عبدالملك بن محمد «425 هـ» الذي خصص كتاباً قائماً بذاته لمثل هذه المسكوكات، هو كتابه ذائع الصيت «ثمار القلوب في المضاف والمنسوب» وقد جمع فيه 1244 تعبيراً مثلياً، مصنفة تصنيفاً موضوعياً في واحد وستين باباً أو موضوعاً.
2000*
* كاتب وباحث مصري
«1941 - 2005»