جيل الطيبين أو الجيل ما قبلي يذكر المعاناة التي يتكبدها الشخص للحصول على هاتف، كان وجود هاتف يعتبر ميزة كبرى ولا يحصل عليه الشخص إلا بعد عناء ومجهود وعلاقات ومطاردة بين أزقة الوزارة القديمة، البرق والبريد والهاتف!

كل هذا اختفى وأصبح الحصول على هاتف لا يحتاج إلا لدقائق دون أي مجهود يذكر، عندما تولت الشركات الخدمة وأصبحت وزارة الاتصالات تشريعية ولوضع الخطط الإستراتيجية، وتحتها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية.

هي قصة نجاح باهر، إذن لم لا تعاد في أكثر من وزارة وليس شرطا أن تعاد التجربة حرفيا ولكن تفصل على مقاس الوزارات المختلفة لكي تناسب طبيعة كل وزارة!

لنضرب مثالا على وزارة النقل بأقسامها الأربعة الرئيسية وملحقاتها، لم لا نحول الوزارة إلى وزارة تشريعية والأقسام الأربعة الأخرى وملحقاتها (الهيئة العامة للنقل، النقل البحري، النقل الجوي، النقل البري) تأخذ استقلالية تامة، حتى هذه الأقسام يمكن أن تقسم أيضا إلى قطاعات أصغر وأكثر استقلالية، ومنها تبدأ عملية التقييم والمقارنة والمحاسبة، لماذا ألوم الوزير مثلا على حفرة في شمال المملكة بينما المسؤول عن الطرق تكون هيئة مستقلة ويكون الوزير هو الحكم بدل ما يكون هو الخصم والملام مثلا! أنا لست سعيدا بتأخر الجسر البري الذي أعتبره أحد أهم ركائز الاقتصاد والنقل، والأخبار تتحدث عنه منذ أكثر من عقد دون وجود شيء ملموس، لماذا مثلا لا أشتكي للوزير من بطء تقدم المؤسسة العامة للخطوط الحديدية أو حاليا الخطوط الحديدية السعودية بدل من لوم الوزير! تفكيك الوزرات إلى هيئات ذات استقلالية يحسن الأداء ويرفع الجودة ويكشف مصادر القصور بسهولة ويجعل المقارنة أكثر موضوعية، عندما يريد أحدهم أن يشتكي لي أو على الهيئة العامة للطيران المدني أو حتى يقارن مع مثيلاتها فإنه يعرف (إلى من وكيف)، البعض يقول إن مطار جدة الجديد تحفة معمارية لكن الخدمة لا تفرق كثيرا عن المطار القديم، ما فائدة البنيان إن لم يتبعه تطور في الإنسان! كثير من الأمور والمشاكل ممكن حلها من التفكيك.

هذا المثال نفسه ممكن في وزارة الصحة من باب الشفافية والوضوح والعدالة لماذا تلام الوزارة على كل شيء؟! لو فككت الصحة إلى شركات أو هيئات وبقيت الوزارة فقط تشريعية ووضع إستراتيجيات وتخطيط، لكن من السهل تطوير الخدمات الصحية وأيضا تطبيق التأمين الصحي العام وأيضا سهولة المراقبة والمحاسبة والمقارنة وكشف الأخطاء والجزاء، أرى من المجحف أن نلوم الوزير في كل مرة يحصل خطأ بسبب موظف لم يؤدِ عمله بالشكل المطلوب في أقاصي المملكة، لكن ممكن أن يكون الوزير حكما ومرجعا لمواطن يشتكي من خطأ رئيس الشركة الصحية الحكومية في المنطقة الفلانية مثلا، وأيضا من المهم جدا ألا يكون التحول وتفكيك الوزارات مجرد تغيير مسميات في وجود نفس العقليات ونفس طريقة العمل، عندما أغير مسميات فإن هذا يعني تغيير رؤى، لن يستفيد المواطن كثيرا إذا تغير مسمى الشؤون الصحية الفلانية إلى الشركة الفلانية وبقيت تدار على نفس المنوال، بل يصير الوضع أسوأ أو كما يقول المثل (لا طاب ولا غدا الشر)، كم من الموظفين الحكوميين حاليا مؤهل لإدارة شركة بعقلية الشركات؟! ولا تعني الخلفية الطبية كل شيء بالإدارة، فما زلت عند رأيي السابق الذي جلب زعل بعض الأصدقاء والزملاء الأطباء، إنه تاريخيا كان أداء الوزراء غير الأطباء أفضل كثيرا من الوزراء الأطباء! يا أعزائي ترى الإدارة موهبة وعلم، وترى المقولة القديمة التي يرددها قدامى الأطباء من باب التشجيع على مسامع طلاب الطب في السنوات الأولى وهي (إذا نجحت في الطب ستنجح بكل شيء آخر) غير دقيقة! فربما تجد إداريين متمكنين لإدارة هذه الشركات والهيئات سيكونون أكثر نجاحا!

وزارة أخرى أعتقد أنها ستستفيد كثيرا من التفكيك هي وزارة التعليم، وزارة التعليم أصبحت كبيرة، كان هناك أمل أن دمج وزارة التعليم العالي ووزارة التعليم العام سيؤدي لنتائج إيجابية من خلال التكامل والاستمرارية ورفع الجودة وعدم الازدواجية في بعض العناصر، وحتى ترشيد الاستهلاك والصرف بذكاء، ربما توقع البعض أن مستوى وزارة التعليم العالي سيرفع من مستوى وزارة التعليم العام لكن ربما حدث العكس، فلا نرى بشكل واضح بصمات وزارة التعليم العالي على الوزارة الحالية بل نرى بصمات التعليم العام على ما كان وزارة التعليم العالي، لذلك نرى أن تفكيك الوزارة سيرفع الأداء وسيوضح مكمن الأخطاء وسيسهل المقارنة وأيضا وضع التقييمات، لم لا تكون الوزارة تشريعية ومخططة ولوضع الخطط الإستراتيجية وتقسيم الوزارة إلى هيئات ذات استقلالية كبرى.

طبعا ليس كل الوزارات قابلة للتفكيك، هناك بعض الوزارات السيادية، صعب تفكيكها وهناك بعض الوزارات يصعب تخصيصها، لكن هناك مساحة وهامش حرية في كل وزارة بطريقة أو أخرى لعمل التحسينات بها من خلال إنشاء هيئات لتحديث وتحسين العمل.

ببساطة بعض القطاع العام في كل العالم مثل المشكلة الكبيرة أو (العقدة المشربكة) كلما فككته كلما سهل معرفة أين الأخطاء وحلها وأيضا كلما صار أكثر سهولة ومرونة في العمل.