بعد أن فعلها فيروس لا يرى بالعين المجردة، وليس كائنًا حيَّا أن يحقق المساواة، فلا الدول التي تمتلك أسلحة دمار شامل، أو مختبرات ومعامل بحثية وتقنية صناعية فائقة التطور، تُحدَّث تباعًا، ارتادوا الفضاء، تمكنوا من الوصول لكوكب المريخ وقبله القمر، وأعماق البحار، وتسجيل إحداثيات لأي بقعة على كوكب الأرض، وأضحى كل فرد في العالم في قاعدة بيانات واحدة، وكل شارع ومسكن وكل ثابت ومتحرك سهل كشفه، وتحديد موقعه على الخارطة، عجزوا عن ابتكار علاج ناجع لفيروس كوفيد 19، المصابون أو من قضوا من مضاعفاته لم يكن بفعل نقص الغذاء أو الدواء، وأن أكثر نسبة من الأضرار التي أصابت البشر في الدول الصناعية الكبرى مثلها مثل أفقر دولة في العالم، رغم الإمكانيات التي لا يمكن مقارنتها.

وها هم المتحكمون بقرارات أعلى سلطة دولية في العالم «مجلس الأمن الدولي»، لم يحقق العدالة والمساواة التي يتشدق بها كبراؤها، خمس دول وفقًا لمصالحها، وأيضًا تحت سيطرة وهوى دولتان، واحدة تتبعها دولتان وأخرى تتبعها دولة بحجم وقوة تفوق التابعتين لأمريكا، وبقية دول العالم تمثله عشر دول «كومبارس».

مع ذلك ظلت الخمس دول عاجزة عن التحكم بفيروس، فيما تتحكم بمصائر شعوب الأرض بما يقارب 7 مليارات نسمة، بقروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتفرض شروطًا تحتم صدامًا بين شعوب الدول الفقيرة الغنية في آن، لنأخذ النيجر مثالًا تحتضن يابستها أكبر كمية من اليورانيوم، تنقله مئات الشركات لمعامل الطاقة التي تعمل على الطاقة النووية وتشغل كهرباء دول أوروبية أهمها فرنسا، فيما عاصمة النيجر تفتقد 50% من أحيائها الكهرباء وتمديدات المياه وبالدول النامية بفرض عملة نقدية واحدة، ترتفع بالنسبة لعملات محلية تعاني فسادًا وتناحر أحزاب، تطورت إلى تسلط دول أقوى لشراء ذمم تنظيمات تتبعها طائفيًا أو سياسيًا لتشكل دولة داخل دولة، ومسلحة حتى النخاع لتضغط بها على دولها، وعلى دول كبرى لتحقيق مصالحها وأكبر مثال على ذلك إيران.

ومادام الأمر كذلك، يجري سباق تسلح عبر الشراء من دول الفيتو بما يشكل تسعين بالمائة من مشتريات الدول التي لا تتوفر لديها قاعدة صناعية لصنع السلاح فمن لا يبتكر صناعة عسكرية لا يسمح له تصنيعها إلا بموافقة المصنع الرئيس لأي منتج عسكري محلي، لذلك تلجأ تلك الدول لقروض طويلة الأجل من أموال تملكها ذات الدول الخمس وبعض الدول الغنية، ولذلك نجد الاضطرابات والثورات والحروب الداخلية أو الإقليمية تضاعفت 1200% عما عليه قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتأسيس الأمم المتحدة وريثة عصبة الأمم واستشرى معها ظهور أمراض فتاكة، وظل العالم تتضاعف حروبه خاصة منذ زراعة الكيان الإسرائيلي عام 1947 بأول مشروع قرار تبنته الأمم المتحدة وأصدر مجلس الأمن قرارًا تنفيذيًا وكذلك الحال في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، والقارة «السمراء». ولا تزال تعيش انقلابات عسكرية.

سيظل حُلمًا إلى حين يترجم واقعًا على الأرض؛ حين يعم الأمن والسلام الحقيقي ويعلن فيه الخمسة الكبار وكل دولة تمتلك أسلحة نووية، تدمير ترسانتهم النووية، وتلجم إيران، وأن يتجسد واقعًا ما ينادون به من ديمقراطية فصلَّوها على مقاساتهم، ومتى صار الأعضاء الخمسة عشر بالتساوي لكل بلد منها حق استخدام الفيتو، لكن ليس وفقًا لما هو جارٍ حاليًا.

حري أن يتشكل مجلس الأمن والسلام، من جميع القارات، تختار دول الاتحاد الأوروبي أربعة أعضاء من دولها، وكذلك أمريكا الشمالية عضوان والجنوبية عضوان، وآسيا واستراليا 6 أعضاء، وأفريقيا خمسة، يعينون لمدة أربعة أعوام، ويعين بدلاء عنهم من كل قارة بأعضاء من دول لم تُمَثل وهكذا.. وتكون القرارات من مجلس الأمن واجبة التنفيذ بأغلبية الثلثين، يستخدم «الفيتو» فقط لمن تصدر ضده قرارات تمس القارة التي ينتمي إليها دون أن تكون لها علاقة بها، وأن يستنهض الجميع لردع أي دولة تحاول العبث بأمن وسلام دول أخرى.. ولا يحق لأي دول من جميع القارات لا يتعلق القرار بإحدى دولها إذا كان الخلاف بين دول من نفس القارة، يتولى ممثلوها ردعهم بالتآزر مع ممثلي القارات الأخرى.. ومتى حدث تحسنٌ نسبيٌ من الأفضل بل الواجب وتحقيقًا للديمقراطية التي تستخدم حاليًّا استنسابيًّا، أن يلغى الفيتو نهائيًا، على أن ينص أول قرار يصدره مجلس الأمن الجديد «المقترح تدمير مصانع الأسلحة الفتاكة نوية وكيميائية وغيرها والأسلحة الثقيلة، وتكتفي كل دولة بأسلحة متوسطة وخفيفة، وصولا للاكتفاء بالأسلحة الخفيفة.. وألا تستخدم أي دولة سلاحها خارج حدودها إلا ما كان لحفظ الأمن والسلام بالأخذ على يد المعتدي والمجرم، وتحول مصانع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إلى مصانع لإنتاج الدواء والطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود الخفيف والغاز، وتنتعش مصانع إنتاج الغذاء والاستخدامات المدنية التي تنفع الإنسان. أن تدمر كل البرامج التي تنتج الطاقة النووية، والمصانع والشركات التي تنتج المواد الكيماوية الخطرة على صحة الانسان والتي تدخل في صناعة الأسلحة الكيماوية، وتدمر جميع المفاعلات التي تنتج أسلحة نووية والحد من انتشار معامل إنتاج الخمور قدر الامكان وبالتدريج بالدول التي لا تجرم الخمور وحظر تصديرها للدول التي تجرمها، وتتلف مزارع النباتات المنتجة للمخدرات... وبذلك لن تستقوي دولة أو مجموعة الخمسة الكبار والتي تتسلح حاليًّا بالفيتو كونها نووية وتفتح بؤرَ حروبٍ لتسويق أسلحتها، وتتوقف عن تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى. سيقول البعض هذا مستحيل، وأقول إنه ممكنٌ؛ إذا كان الهدف من مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة الذي ورث عصبة الأمم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ ووفقًا لمادته الأولى الحفاظ على الأمن والسلم الدولييْن، فيما الواقع أن أعضاء الفيتو حاليَّا عبر مجلس الأمن يتحكمون بالمنظمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والتربوية والثقافية والرياضية والإنسانية حسب أهوائها، وأي منظمة أو جمعية لا تسير وفقًا لتعليماتها تقطع عنها الدعم المالي، أو تنسحب منها.. وهي من تنتج أسلحة محرمة وتبتكر أسلحة مدمرة.

وبذلك تتعادل القوة وبالتوازي تصان الحقوق، وتتحقق المساواة والعدالة ولن نسمع عن ضغوط يمارسها صناع السلاح ومحتكرو النظام الاقتصادي والنقدي العالمي، وتنخفض كثيرًا أسعار الغذاء والدواء والخدمات وإيجارات المساكن.

وستوفر الدول جميع أموالها لبناء مساكن لمواطنيها وتنخفض تكلفة تنفيذ المشاريع المدنية، وكل المستلزمات الإنسانية، وتنشط السياحة الراشدة، وتختفي الأمراض العصبية والنفسية والجرائم وأمراض السرطان، وسيعم العالم الأمن والسلام بصورة مضطردة، وسينتهي الفساد المالي والإداري والأخلاقي، ويتطور التعليم فيما ينفع البشرية لا ما يدمرها، وتنخفض كثيرًا حالات الطلاق، والعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج.

لا أجزم باختفاء الجرائم الفردية كالسرقة والتهريب والجنايات... لكن لن تجد في العالم من يعيش تحت خط الفقر، فمعظم أباطرة المال الذي تدره مصانعهم من مبيعاتها لدول العالم؛ جنوا الثروات من تجارة السلاح وتوسعت معه مصانع إنتاجه، وفتحت بؤر حروب لاستهلاكه، وأثقلت الدول كاهل الشعوب بضرائب ورسوم وغيرها.

أما على مدى ما يقارب 70 عامًا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، انبثقت عنها حروب بين أقاليم وطوائف، وأحزاب وبين دول متجاورة، وترتب على ذلك تشكيل معسكرين دول حلف وارسو «اختفى مع سقوط الاتحاد السوفيتي» والناتو لايزال لكن بدون أمريكا يعد لا وجود له، وظلت ولا تزال تتلاعب دول الفيتو بالدول الفقيرة التي ازدادت فقرًا والحرب الباردة، ثم حاليًّا الحرب الساخنة بأسلحة الخمسة الكبار، نهبوا ثروات بؤر الصراعات، خاصة في أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وشرق أوروبا سابقًا، ولا يزالون فقط يشعلون الحروب في الشرق الأوسط.. وليس في جعبتهم سوى مفاوضات.

وبناء على ما تقدم؛ الأمل أن تبذل دول العالم جهودها لنشر قيم الفضيلة في مجتمعاتها وتنتفي معها الظواهر المناقضة للعقل والفطرة من إلحاد وعري وتفسخ وفساد؛ نشر الرعب ودس أنوف دول الفيتو الحالية فيما بين الدول فإن وجدت دولة بالعالم، تحقق نصرة المظلوم، ترصدوا لها، لدرجة الحقد أن لا يبرز سواهم وينهض لحل ما نجم عن تدخلاتها، ولن تجد جماعة أو دولة ما يحملها على إحداث فوضى، وسيعم الرُشد متى انتفت وسائل الشر، والتدخلات بالعالم أجمع.. سواء بهدف سيادة عرق أو طائفة أو قومية أو حلم دول سادت، وتجهد لإعادة عجلة التاريخ الى الوراء، وتجيش من يتبعها طائفيًا في دول أخرى على النسيج العام لكثير من الدول خاصة بالوطن العربي.

حان الوقت أن تستأصل مفاهيم وقيم نظرية رنانة، هي من سرَّها ويسرَّها تسلط نظام الملالي الذي يستخدم عملاء يقفون ضد دولهم لمصلحة دولة طائفية عنصرية، يفتحون صراعات بين أبناء البلد الواحد بعد أن دمر اقتصاده ونضبت موارده، والأمثلة سقتها بداية المقال، وأختم أن فيروس كورونا «كوفيد 19» لم ولن يستثنِ أي جنس أو عرق أو قومية، الخمس الكبار حائرون، فليؤكدوا خورهم، وليراجعوا استراتيجيتهم في الحياة، عوضًا عن تجارة السلاح وفتح بؤر صراع للاسترزاق بدماء الشعوب، وليواجهوا أنفسهم وفشلهم الذريع، ويعدوا ميثاقًا جديدًا عوضًا عن مجلس يتضاحك على شعوب المعمورة، فعاقب الله الجميع بفيروس يستنزف مداخيلهم، فيما يصرون على الفرجة أمام ما يدور في منطقة حيوية ولا يملكون تجاه دولتين العبث باستقرار وأمن أرض حضارات وأنبياء حولتها أسلحتهم إلى دمار ومقابر هي الأعلى في العالم قبل سبتمبر 2019 وبزوغ نجم كوفيد 19، وها هم يتوارون خلف كمامات كما بقية شعوب العالم لا فرق؛ لإنهاء التسلط من القوى الكبرى، وليؤكدوا كلامهم الأجوف إلى واقع «عن حق كل البشر في العيش بسلام وأمن ورغد عيش»، بعد أن استثمرت خمس دول محزونها من الأسلحة النووية حق النقض الفيتو، بعد انتصارها عسكريًا قبل ما يربو على سبعين عامًا، تنادي بمنع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية وهي من تصنعها وتصدرها وترغِّب فيها، تنادي بحقوق الإنسان وهي من يُقتل الملايين بأسلحتها، وبتجويع الملايين وهي من تحتكر تجارة القمح، وتنادي حقوق المرأة وهي من حولتها إلى سلعة، هي من تثير الفتن بين الدول وهي من تؤوي شواذ فكريًا وخوارج؛ أطلقت عليهم الدول الاستعمارية «معارضة» ووفرت لهم فيلات وعطايا شهرية، ومنابر إعلامية وفضائيات لتعبث بأمن شعوب للأسف تدعي الانتساب إليها، وتؤلب على أنظمة دول منذ انتهى عصر الاستعمار المباشر، بينما الهدف ليس حبًا بشعوب، بل لفتح بؤر حروب لا تنتهي، وأزمات لا تُحَل، لتظل الحاجة إليها قائمة.

فليعتبر زعماء «دول الفيتو» أن فيروس هو من يقود العالم، وكشف كم جنوا على البشرية، منذ ما يربو على سبعين عامًا على الأقل، أنشأوا أمم متحدة فتجرأت دول إلى دويلات، وانتهت إلى دولتين في بلد واحد «فعلية بقوة السلاح، وهامشية تسير هامشًا ضئيلًا من شؤون الحياة في عدد من الدول»، خاصة العربية بظل نظام تسلطي عنصري حاقد على العنصر العربي ويشوه الاسلام، ويخطط ويسلح «أوباشه» رغم وجود ما يسمى بمجلس أمن تكتفي خمس دول بتصريحات جوفاء منذ 42 عامًا تغازل بها إيران، وتسهل لها التمدد بل وتعقد معها اتفاقية نووية لن تنجح في ثنيها عن طموحاتها التوسعية أو أنها تستفيد من تصرفاتها لمصالحها الخاصة، وتجعل من إسرائيل دولة نووية لا رقابة دولية على منشآتها وتتضاحك بمفاوضات لقيام دولتين في فلسطين وفي أدراج مجلس الأمن قرارات ضد إسرائيل وإيران لم تنفذ سواء في فلسطين أو في اليمن أو سوريا، وليبيا العراق أجهزوا عليه ثم سلموه لإيران وما لم يتم كبح تينك الكيانين سيظل العالم على صفيح ساخن، والحل كما أسلفت بمجلس أمن تطبق فيه الديمقراطية عوضًا عن تسلط خمس دول منها أربع في كفة عرجاء وواحدة في كفة... وليعودوا إلى فطرة نبذ التسلط والجشع ويتوجهوا إلى قيم ادَّعوها وعملوا نقيضها؛ نتوق لمجلس الأمن ينهي ديكتاتورية وخبث دول الفيتو وخبث إيران وإسرائيل.