في مقالة سابقة حاولت أن أحلل بعض أسباب الانفعالات المبالغ فيها وغير الموازية لبعض المواقف البسيطة التي لا تستحق، وكان من الأسباب العيش في الماضي والقلق من المستقبل والخروج من الحاضر والآن.

ولعلي أستطرد في التحليل وأذكر أن من الأسباب أيضا استعلاء الأنا (الكبرياء بمعنى أدق)!

تلك الصورة الذهنية العظيمة الملائكية التي نرسمها لأنفسنا ولا نقبل لها إلا المديح الذي ينميها من الطبيعي أن تقاوم كل ما يمسها أو يعترضها أو لا يعترف بها.

فعندما نواجه بعض المواقف تستثار تلك الأنا والكبرياء ويبدأ الدفاع عن تلك الصورة الذهنية الشخصية فينظر حينها للمواقف بشكل غير واقعي ولا منطقي مما يولد ردود فعل غير موازية، وكم سمعنا في العديد من الجدالات من يطالب بعدم الشخصنة (الأنا) للوصول للحل السليم والرؤية الصحيحة المنطقية. ومن المعروف أن الإنسان يصبح هادئا ومنطقيا، ولا يغضب ولا ينفعل على من هو أعلى منه، وكأن الكبرياء هو من يقوده للغضب على من هو أقل منه في نظره.

أؤمن بأن داخلنا كبشر جميع التناقضات من نور وظلام، داخلنا حب وحرب وسلام وانتقام، وتواضع وكبرياء، وكل ما يخطر بالبال من متناقضات، هناك من يعترف بوجودها فيعالج جوانب الظلام وينمي جوانب النور ويظهرها، وهناك من يقاوم وينكر وجود هذه التناقضات فينا، ينكر جانب الظلام والكبرياء الذي بداخله، فيقاومها وينكرها من دون تقويم، وكلما كانت هناك مقاومة كان هناك تحد وتضخم، لتتضخم الأنا المستعلية المظلمة وتبتعد عن النور.. وحينها نتوقع ردود فعل غير موازية للمواقف البسيطة.

في أحد تطبيقات الميديا أرفقت لمتابعيّ رابط طلبت منهم مصارحتي فيه ولن يظهر لي هويتهم فكان من بعض الردود وصفي بالمتكبرة! وكم تمنيت وقتها أن ألتقي بمن صارحوني بذلك لأستوضح منهم السبب لعلي أعالج ذلك! وكان السؤال الداخلي وقتها: هل نُحاسب على نظرة غيرنا لنا؟ والتي ربما كسرتهم (بغير علمنا)؟ وكيف نعالج الأمر؟ ربما شاهدوني في موقف يثبت ذلك من دون وعي مني!

عدت لمتابعيّ وأنا مؤمنة بوجود هذه الصفة فينا كبشر كوجود بقية الصفات والتناقضات، وأنني لن أقاوم وأنكر وجود هذه الصفة! وسأحاول معالجتها والتركيز في ردود فعلي مستقبلا.

وعلينا ألا نكتفي بالاعتراف بأن هذه الصفة داخلنا، بل من الأفضل أن نركز على الصفة النقيضة (التواضع) ننميها من دون جلد ذات ومن دون تعداد لنقاط الضعف الشخصية بحجة التواضع، ننمي التواضع بذكر حقائق بشرية عامة تنطبق علينا وعلى الجميع، فلو كان لديك علم ففوق كل ذي علم عليم، وإن كان لديك قوة فخلق الإنسان ضعيفا، وإن كنت معروفا بحكمتك ورزانتك فقد وصف القرآن الإنسان بأنه عجول ظلوم.. وهكذا نتواضع بأن نتذكر نقصنا كبشر بشكل عام من دون جلد ذات وتذكر مواقف شخصية لن تصنع تواضعا.

عند حدوث أي موقف غير مرغوب لو نتذكر فقط أن هذا (الكبرياء داخلنا) إن لم نعالجه سيضخم رد الفعل وقد نبطر الحق ونحتقر الناس كما قال ﷺ: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس».