فيما مضى كان الكاتب يطرح رأيه، خصوصا إذا كان نقدا، بتقصٍ وتحفظ، ومع ذلك قد يكون الرد بعد أشهر، ويصبح الموضوع بحكم التقادم في عالم النسيان، وتنتهي الأمور كما يقال «وكأن شيئا لم يكن».

اليوم ومع وسائل الاتصال والتواصل وتنوعها، لو أقدم الكاتب على إشادة مبالغ فيها إلى درجة التطبيل، أو نقد شخصي جارح، فإن سرعة الرد ستكون حتى من العامة، قاسية وقوية عبر وسائل الاتصال والتواصل، بنشر ما يفضح تطبيل هذا الكاتب أو ذاك أو تجنيه. سواء بمقالة مضادة أو مقاطع مرئية، أو تغريدة صارخة، أو صور تكشف عكس حقيقة ما ذكره ذلك الكاتب، وعندها تكون الإشادة قد تحولت إلى محاكمة، لكن من هو الحكم ومن هم الخصوم ؟!.

اليوم لا تستطيع الإشادة مثلا بجهود أي مرفق، وأنت ترى أن ما على الأرض يخالف حقيقة الإشادة، رغم أنه كان بإمكان موظف في أي مرفق، الكبس على أيقونة، ليكتشف عبر الجهاز الذي أمامه حقيقة ما يطرح الكاتب من خلافه، ويصحح الوضع تدريجيا، لا تسويفا ينتج عنه تراكمية، ما يصعب معها إيجاد الحلول وتكثر التعقيدات.

واليوم أيضا لا تستطيع أن تشيد بمرفق «ما»، لأن هنالك - كما أشرت سابقا - وفي اللحظة نفسها، من سيقدم لك صورة أو مقطعا مرئيا يدحض إشادتك، وأن هنالك تنفيذ مشاريع متعثرة وبكثرة، وهنالك مشاريع سلمت لكنها سيئة التنفيذ، ومشاريع ذات العمر القصير، ومشاريع يطول وقتها وهي تحت الدراسة.

الحقيقة التي لابد من ذكرها وشكرها، أن مساحة الحرية في الإعلام اتسعت. فهل الكاتب يشيد في زمن لن يسمح بالتطبيل، بل زمن يراه تغريرا ؟! أم يقول الحقيقة فيعتقد الآخرون أن الكاتب غير متفائل، وهذه حقيقة نظرة من لم يعايش الواقع، ويؤمن بأن العالم أصبح فعلا قرية مكشوفة للعيان، من أقصر تبة تأمل يرتقيها.

ثم جاء الأمل مع رؤية 2030، حيث تفعيل دور الجهات الرقابية بعد دمجها، وإعطائها صلاحيات واسعة، تكشفت معها حقيقة ما كنا نتناوله، ونتجاذب الأطروحات كشركاء فاعلين في مسيرة التنمية.

خمس سنوات تجددت الآمال وأشرقت شموس الرؤية، نحو مستقبل أكثر إشراقا وعطاء بإذن الله. غير أنه لوحظ أن بعض المرافق سيما في بعض المناطق، تلجأ للحد من تسليط الأضواء على الجوانب السلبية، إلى محاولة كبح عجلة التفاعل الإعلامي الإيجابي، وذلك من خلال رفع شكاوى ضد ممتهني الإعلام الحقيقي، في مختلف وسائل الاعلام المجتمعي - جلها أو جميعها - و حينما تصل إلى ميزان التمحيص ترد قانونيا لمخالفتها حقيقة الادعاء، معتقدين بذلك أنه في أسوأ الأحوال إلحاق الضرر المعنوي بالإعلامي، علّه يتوقف عن الركض.

أنا هنا لا ألوم الكيانات، فهي مؤسسات حكومية ذات ضبط وربط، لها منا جلّ الاحترام وأوفره، لكن أحيانا هنالك بعض المسئولين - وهم قلة ولله الحمد - يستغلون المناصب والصلاحيات للتغول، سعيا منهم لإلحاق الأذى بالإعلامي، على الأقل معنويا، ولكن أمام عدالة الجهات العدلية، ترد كل تلك القضايا.

وهنا نطرح سؤالا مهما للغاية، من يرد للإعلامي الاعتبار، ومن يحاسب المسئول الذي يتغول في الصلاحيات، وينسى أن المناصب ليست امتيازا بل مسئوليات ومهام، ويتجاوز التخصص ويتبلى على حرية الرأي، ويسيء في الأخير لذلك المرفق الذي اؤتمن عليه ؟!.