القائد الكبير طارق بن زياد، الذي فتح إسبانيا في 711، عندما استعصت عليه إحدى المدن، وفي لحظة سجلها التاريخ، نظم قواته، وقيل إنه أصدر أوامره بإحراق السفن، ثم قام في أصحابه، وقال خطبته الشهيرة: «أيها الناس، أين المفر؟.. البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر».

خطبة ربما تكون هي الأشهر مما قيل وخلد في أوقات الحسم، وكم هي كثيرة وثقيلة مثل تلك الأوقات.

أوقات يكون فيها المرء أمام مفترق طرق، إما يكون أو لا يكون.

وما أشبه اليوم بالأمس، فها هي «كورونا» قد وضعتنا في مثل تلك الوضعية تقريبا، وربما أشد وطأة من تلك، ولا أبالغ إن قلت إنها أصعب بكثير عما سواها، فالعقول تختلف في مستوى التفكير والتقدير، وكذلك التدبير، وإذا عولت أو راهنت عليها بهذا الكم، فهنا مكمن الخطر، أو لنقل التحدي.

إننا نعيش اليوم أوقات حسم كتلك، تحتاج وقفة جادة وحازمة، التعويل فيها على العقول. أيها الناس، أين المفر؟، «كورونا» أمامكم، وليس لكم والله إلا الوعي والحذر والصبر، فالحياة لن تتوقف، وبكم أو بسواكم سوف تستمر. الوباء من حولكم، والوعي من أمامكم، والأمر تقريبا بأيديكم، ولكن بمقدار حرصكم ووعيكم.

تأففنا من الاحترازات الوقائية، تضايقنا من الحظر، وهو ليس سيئا بذلك القدر، وربما استعجلنا العودة إلى الحياة الطبيعية. والنتيجة ما ترون لا ما تسمعون فقط..

الوباء ما زال ينتشر، بل يتحور ويتطور، يبث سطوته ويمثل خطرا محدقا بحياتنا، ليس على مستوى بلادنا، بل على مستوى العالم، وإن أكثر ما كنا نخشاه هو الاستخفاف بالإجراءات الاحترازية واللامبالاة، وبعض التهور والعادات التي تفرض نفسها أو تفرض علينا عنوة، وهو ما كان فعلا. الانخراط في الحياة الاجتماعية، من مناسبات وزواجات وعادات، أو تعاملات أو تصرفات، يجبرك على التخلي عن أي احترازات!.

لقد كان التخلي عن الحذر بشكل مزعج حقا، فكان الاختلاط كثيرا، وانتشار العدوى أكثر. لقد كان يا ما كان من تردٍ للوضع، وتصرفات تفتح أبواب الأحزان، ولكن كان وما زال الحل في متناول أيدينا، وبيدي لا بيد عمرو. مزيد من الوعي والاهتمام، وأن نكون بمستوى الحدث، كفيل بأن يصنع الفارق، وبارتفاع مستوى الوعي والاهتمام سنكون أفضل وأقوى إن شاء الله.

لا نريد أن يعود هذا الوباء إلى كبح حياتنا، فالحظر ومزيد من القهر. لقد وضعتنا حكومتنا أمام المحك، حينما راهنت على مستوى الوعي، فعام ونيف العام كفيل بأن يزودنا بما يلزم تجاه هذا الفيروس، ولكي نستمر في هذه الحياة علينا أن نكون بمستوى الحدث، ومستوى ذلك الرهان أيضا.

سنة ونيف السنة يفترض أن تكون قد جعلت من كل تلك التدابير ثقافة لدينا، فهي في كل الحالات ممارسات صحية تقريبا.

ربما نتفق على أن الفيروس لم يعد بمستوى تلك الخطورة التي صاحبت بداياته، ولكن ذلك متى ما كان وعينا والتزامنا بالمقدار الكافي. لقد شاهدنا ما مر به العالم، ونحن جزء منه، من ضرر على المستويات كافة نتيجة هذه الجائحة، فرضخنا، كما العالم، للعامل الاقتصادي في هذا الجانب، حتى ونحن نشاهد تميز بلادنا في عملها وتعاملها، ونتيجة ذلك كان لا بد من العودة، فعاد العالم بأسره تدريجيا للحياة الطبيعية، ونحن معهم أيضا، ولكن، كما أسلفت، عودتنا كانت زيادة حبتين (أوفر).

كلنا نؤمن أن الأمر بيد الله في مبتداه ومنتهاه، لكن علينا بذل الأسباب، وإلا نلقي بأيدينا إلى التهلكة. حتى التطعيم لا يعني أن نبالغ و نتهور، ونتهاون كما حدث.

وربما يقول قائل: إن «كورونا» لم تعد بذلك الخطر الكبير، لكن الخطر الأكبر يكمن في تصورنا أن هذا الفيروس قد انتهى، فنرفع القيود ونتخلى عن الاحترازات، ونمعن في التهاون واللامبالاة.

التطعيم لا يعني أن نتحرر من الاحترازات الوقائية.إنه أبدا لا يعني ألا نهتم، أو نسقط التدابير التي تجعلنا في منأى ومأمن إن شاء الله. صحيح أن أخذ اللقاح مهم، ولكن وعينا يظل هو الأهم، وهو ما يمثل خارطة الطريق نحو التعافي.

احترام الإجراءات الاحترازية والتباعد، والإدراك التام قيمة الحياة يضعان الخطوط العريضة في تلك الخارطة. لا بد أن ندرك أنه ما من حل إلا أن نرضخ لهذا الواقع ونتعايش معه، وهذا الأمر يستدعي أن نكون أكثر إدراكا وحرصا وتقديرا للمسؤولية.

علينا أن ندرك أن «كورونا» هذه ستبقى معنا، وأن اللقاح، كان عاديا أو لقاح الملوك، لن يغنينا أو يقلنا عنه في مكوك.

العودة للحياة ضرورة، ولكن علينا أيضا أن نعلن مع ذلك فتح صفحة جديدة مع «كورونا»، جنبا إلى جنب، ولكن بمستوى وعي مناسب لخطورة هذا الوباء.

نعم علينا أن نغير من سلوكنا وبعض عاداتنا، فـ«كورونا» ما زال يقدم الدروس المجانية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

رفع الله عنا وعن الجميع كل داء ووباء.