إعلام المناطق أو المحافظات أو القرى. لطالما سمعنا العديد من المطالب المنادية بذلك، وفي السياق ذاته الذي سمعنا به تلك المطالب وجدنا معارضين للفكرة، من منطلق أنها تشتت وحدة الإعلام وتدعو إلى المناطقية. وما بين هذه وتلك يوجد الكثير من المساحة الرمادية التي يمكن التحرك خلالها.

فكرة إعلام المناطق لها العديد من الامتيازات فهي تعطي في المقام الأول لأخبار تلك المناطق مساحة انتشار أكبر ونطاقا أوسع، بخلاف ما كانت عليه في الوسائل الإعلامية الشاملة. كما أنها فرصة مواتية من ناحية مهنية بحتة، لولادة مواضيع جديدة أكثر شعبية والتصاقا بمنابت تلك الأحداث، وهذا يعطي جودة في المحتوى تفوق التعامل مع مراسلين محدودين، أو مكتب لوكالة في بث أخبار منطقة.

كما أن من إيجابيات ذلك النمط من الإعلام، زيادة عدد الممارسين، وإيجاد منافذ تدريبية وعملية لذوي التخصص.

تلك الامتيازات جعلت المنادين بالإعلام المناطقي يتزايدون. ولعل الموضوع أبصر النور حينما أعلن عنه وزير الإعلام الأسبق تركي الشبانة في منتدى الإعلام السعودي دون الدخول في تفاصيله. ومنذ ذلك الإعلان حتى هذه اللحظة لم تأت أي تفاصيل عن مستجدات المشروع، وهل دخل حيز التنفيذ أم لا.

ولعل الأصوات التي عارضت التوسع في الإعلام المناطقي، كان منطلقها الأساسي اقتصادي، بمعنى هل ستتمكن تلك الوسائل من إيجاد ممولين لها قادرين على إحياء المؤسسة إعلاميا وتمويلها، وتجاوز هامش الربح، بغية تأسيس عمل إعلامي مؤسساتي في المنطقة. وهذا ما أشار إليه الراحل تركي السديري في حديث تلفزيوني سابق.

الحديث عن صعوبة وجود ممولين لأي وسيلة إعلامية مناطقية، أمر صحيح لا خلاف عليه، ولكن في المقابل فإن تلك الوسائل محفزة للكيانات الاقتصادية في المنطقة للإعلان أكثر من الوسائل الشاملة. فلو افترضنا أن شركة توجد في حائل، لا يمكن أن تعلن في أي وسيلة إعلامية حاليا، كون نسبة وصول الإعلان لجمهورها المستهدف قد لا تتجاوز الـ5%، ولكن في حال وجدت وسيلة في حائل، فإن حافز الشركة للإعلان مرتفع جدا.

ورغم وجود شبكات التواصل الاجتماعي والتي اعتقد البعض أنها ستلغي فكرة المناداة بإعلام المناطق التقليدي، فإن التوقعات لم تجانب الصواب. فجميع حسابات المناطق سواء في تويتر أو سناب شات، غلبت عليها الاجتهادات الفردية والجانب الإعلاني، والتركيز على أهم الأحداث، دون الغوص في عمق تلك المجتمعات، وصناعة محتوى إخباري نوعي. فبالتالي لم تستطع تلك الحسابات ملء الفراغ الموجود.

وبالنظر لحسابات إمارات المناطق، نجد أنها حاولت إلى حد ما إظهار أخبار مناطقها. لكن القاعدة الأساسية ترتكز على أن الإمارة كجهاز حكومي لا يمكن إسناد مهمة الإعلام له، ولا يمكن أن يتناول المواضيع كما يتناولها الإعلام.

المساحة الرمادية بين المؤيدين والرافضين يمكن أن تكون نواة الانطلاقة فعلا لإعلام مناطقي بشكل نوعي ومختلف، بما يوائم بين متطلبات أهالي تلك المنطقة وما تقتضيه السوق الإعلامية والإعلانية الحالية. العملية ليست معقدة، فقط وضع خطة إستراتيجية مغلفة برؤية اقتصادية تستوعب تلك الخطوة، خصوصا إذا ما علمنا أن السوق النشطة الإعلامية الأمريكية -مثلا- تعتمد على إعلام الولايات، الذي يشهد نسب مشاهدة عالية، ومبالغ إعلانية طائلة.

تقول القاعدة الإعلامية: الأشخاص يميلون إلى الأخبار التي تنتمي لهم مكانيا، ويشعرون أنها قريبة لمنطقتهم وذواتهم.