«إن اتحدت عناكب الغابة سهل عليها اصطياد الأسد».. لا أعلم بالضبط ما الذي جعلني أتذكّر هذه المقولة، وأنا بصدد الكتابة عن المواقع الإلكترونية العربية، كمنصات استثمارية.

والحديث ينقلنا بالضرورة إلى الشبكة العنكبوتية - الإنترنت بمختلف أشكالها واستخداماتها، سواءً الشخصية منها أو تلك الخاصة بالشركات والمؤسسات، لنطرح السؤال:

أليس مستغرباً والمنطقة تنوي الانتقال إلى اقتصاد المعرفة، أن تكون أغلب المواقع الإلكترونية العربية، فاشلة استثمارياً؟ إن الكثير من أصحاب المواقع والمدونات يحبطهم موت الأمل في نفوسهم بصفقة العمر «المليونية» التي يحلمون بها، ولسان حالهم يقول: ليتنا نعرف في الأقل كيف نجحت مدونة هافنغتون بوست - (Huffington Post)، ترى ما قصة هافنغتون بوست الأمريكية التي احتفلت منذ سنوات معدودة بإطلاق نسختها العربية؟ .

مدونة هافنغتون بوست انطلقت عام 2005 بعدّة لغات عالمية، وقد كانت في الأصل موقعاً لتجميع الأخبار على الإنترنت، أسسها ثلاثة أشخاص «أريانا هافنغتون مع كينيث ليرير واندرو بريتبارت»، وعدد من كتّاب الأعمدة الصحفية البارزين، قدم الموقع في البداية محتوى في السياسة والأعمال والمنوعات والتقنيات وأسلوب الحياة والصحة والأخبار وموضوعات تهم المرأة. في فبراير عام 2011 استحوذت شركة «إيه أو إل» على هافنغتون بوست بمبلغ 315 مليون دولار، وعينت أريانا هافينغتون مديرة للتحرير، وأصبح اسمها «مجموعة هافنغتون بوست للإعلام»، في عام 2012 نالت هافنغتون بوست جائزة بوليتزر لتكون أول نشرة إلكترونية على مستوى العالم تحصل على هذه الجائزة. لكن هل الصورة التشاؤمية عن المواقع العربية انبنت على معطيات صحيحة؟ أم أن المسألة هي موقفٌ مسبق من هذه المواقع، أسهم في صورة تنميطها «ستريوتايب»، ترسَّخت في الأذهان بمرور الوقت؟.

إنها أسئلة مشروعة ومهمة، الإجابة عنها تقتضي الدخول في التفاصيل، بعيداً عن «الشيطان» الكامن فيها، لكن قبل ذلك يجدر القول إن هنالك بعض المواقع الإلكترونية العربية تعدُّ استثناءً، إذ سعى أصحابها نحو التجويد والتميز ونجحوا في ذلك وأنجزوا. إن ضعف الموقع الإلكتروني العربي مسألة لا علاقة لها بالشخص الأجنبي أو العربي؛ فالذكاء والعبقرية لا يعرفان تفرقة مشينة كهذه، ويكفي أن نذكر في هذا السياق اسما صار علامة فارقة ويبعث على الفخر، هو ستيف جوبز، سوري الأصل، واسمه العربي «صطيف الجندلي»، مؤسس شركة أبل الأمريكية الشهيرة.

يستند نجاح الموقع الإلكتروني إلى محتواه الجيد بصورة عامة، ويقوم على ثلاثة معايير رئيسة: الأول أهمية المحتوى إلى القارئ/المتصفح، والمعيار الثاني وضوح الفكرة وكيفية معالجتها ومتانة الأسلوب، أما المعيار الثالث فهو تنوّع هذا المحتوى وثرائه؛ فكلما كانت مواد المحتوى في الموقع الإلكتروني متنوعة وثرية وواضحة، كانت أشبه ببيت العنكبوت، الداخل إليه يصعب عليه الخروج منه قبل أن يتصفحه كاملاً، وكلما كان المحتوى فقيراً من حيث الأفكار وتنوعها وأسلوب عرضها، كان أشبه بالوردة الحمراء، جمالها آخاذ ولافت، لكن رائحتها منفره.

إن أذى المواقع الإلكترونية لا يُتخيّل ضرره؛ فقد يضرب الذائقة الفنية لدى الإنسان فضلاً عن إضاعة وقته وجهده، فالمتصفح الحديث لا وقت لديه لإضاعته، ولا يعرف الصبر القديم وحكمته، لكن هل وفرة المال يضمن صناعة الموقع الإلكتروني الجيد، ونجاحه؟ ربما، هذا كل ما يمكن قوله كإجابة عن السؤل، على أن هذه الإجابة ليست دقيقة تماماً؛ فقد أثبت المتخصصون أن المال، رغم سطوته ونفوذه، لا يستطيع إنقاذ موقع إلكتروني ضعيف فنياً، ومحتواه رديء.