على بعد 180 كيلو متراً شمال غرب مدينة الرياض، تقبع بلدة صغيرة يفخر أهلها بأنها تجمع عدة مزايا في حزمة واحدة "عبق التاريخ والرمال الذهبية، الممزوجة بروح المحبة والتقارب والطيبة، والسعادة الدائمة"، إنها ثرمداء التي دونت في مفاصل الشعر الجاهلي والإسلامي، وتحدث عنها رواة التاريخ كثيراً، وتعد من أهم بلدان نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري.


بلدة تاريخية

سميت بهذا الاسم نسبة إلى "نبات الثرمد" الذي ينبت في منطقة القاع، فأصبحت المنطقة الواسعة التي ينبت فيها الثرمد تدعى ثرمداء، وتقع المدينة في نجد من بلاد الوشم على طريق الحجاز القديم، ينتمي إليها الصحابي الجليل قيس بن عاصم التميمي سيد أهل الوبر، وهي بلدة تاريخية، كما يروي ياقوت الحموي في معجم البلدان أنها كانت قاعدة الوشم في زمانه، ويعتبر موقعها متميزاً لوقوعها بين الرمال الذهبية من جهة الشرق والمرتفعات الجبلية من جهة الغرب التي تنحدر منها الأودية الهامة مثل: وادي النخيل ووادي الصنع ووداي الجمل، ووادي الكليبية الذي استوطنه بني كليب من تميم في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، ومنهم الشاعر جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي.

تتمتع "البلدة الصغيرة" بوضع أشبه ما يكون "بالكاريزمي" على شبكة الإنترنت، حيث وجدت عدة مواقع إنترنتية تتحدث عنها، أبرز تلك المواقع "شبكة مدينة ثرمداء" التي أسست بجهود ذاتية في عام 2004، بالإضافة إلى "منتديات شبكة مدينة ثرمداء"، أو حتى على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أو على الموقع العالمي "يوتيوب".


فتنة المدينة الحالمة

متنزهات "ثرمداء" البرية المتشحة برمالها الذهبية، أضحت مقصداً مهماً من قبل الشباب، حيث يحاولون خاصة في المواسم والإجازات "كسر الروتين" المعهود والمتكرر لديهم من الذهاب إلى الشواطئ أو الاستراحات والمسابح.

رمال ذهبية شدت أنظار الشباب وعائلاتهم إليها، شباب جاؤوا ليتخلصوا من روتينهم من كافة المناطق المحيطة، فترى شباباً من الرياض وشباباً من بريدة والقصيم وربما حتى من الشاطئ الغربي هرباً من رطوبة الشواطئ وانتقالاً إلى مكان دافئ يضمن لهم متنفساً هنيئاً.

التجمعات الشبابية على ضفاف رياض ثرمداء تشكل لوحة فنية هادئة وترسم في مخيلتهم صوراً تذكارية لهذه المناطق ذات الطبيعة الخلابة. فمثل هذه الأجواء تشجع الشباب على نصب خيامهم بين هذه الرمال الذهبية من أجل أن يتمتعوا بالمناظر الخلابة، حيث يجدون فيها طعماً آخر بعيداً عن التصنع والتكلف.

وإذا قصدت هذه الأماكن نهاراً ترى الشمس ساطعة فتضيء من شدتها المكان، أما ليلاً فترى حولك النجوم والكواكب تتلألأ نوراً.


عامل جذب

الشاب حسين الشهري أحد الشباب من مدينة جدة، يتوجه بشكل دائم إلى منطقة ثرمداء خاصة في أعياد الفطر؛ حيث يعمد إلى التخييم مع مجموعة من الشباب، ويقول الشهري "نظراً لأن طبيعة المنطقة التي نعيش فيها (منطقة بحرية) وأنا بشكل شخصي قد مللت الروتين الذي اعتدنا عليه"، ويضف "الرطوبة تشكل أحد العوامل الأساسية في توجهي إلى هذه المنطقة حيث الهدوء التام الذي يخيم على المكان، الذي يذكرنا بآبائنا وأجدادنا الذين عاشوا بين هذه المناطق الفسيحة".

ويعمد الشهري هو ومجموعته إلى السمر ليلاً وعلى وقع نجوم السماء وأصوات الزواحف والحشرات التي تملأ المكان والتي تشكل أحد عوامل الجذب بالنسبة لهم على حسب تعبيره.

أما الشاب محمد دليح من منطقة جازان فإنه يرى أن مثل هذه الأجواء تشكل أحد العوامل المهمة في التوجه إلى مثل هذه الأماكن فيحرص على اصطحاب عائلته بأكملها والمكونة من 7 أشخاص ليقضي يومين متتالين بين هذه المناظر الخلابة على حسب تعبيره.

محمد بعد أن ينهي زياراته مع أقاربه وأصحابه في أول يوم العيد يحرص في اليوم الثاني على التوجه إلى مكان يتسم بالهدوء والجو العليل فلا يجد أمامه إلا رمال ثرمداء إذ يجد، حسب تعبيره، متنفساً لهم بعيداً عن ضجيج المدن وبعيداً عن الناس؛ حيث يجتمع أفراد العائلة مع بعضهم في راحة وسعادة وبهجة.


راحة وأثر نفسي

يحرص الشاب سليمان العجمي من مدينة الرياض على التوجه إلى متنزهات ثرمداء الذهبية البرية في كل الإجازات هو ورفاقه، حيث يؤكد العجمي على ضرورة الإتيان مبكراً خوفاً من عدم وجود أماكن شاغرة نظراً للإقبال المتزايد من قبل الآخرين عليها وخصوصا في مواسم الأعياد.

ويضيف العجمي في حديثه إلى "الوطن" أن هذه الأجواء تشكل بالنسبة لهم راحة نفسية كبيرة خصوصاً أنها تبعد عن الملل والروتين اليومي القاتل، ويشير العجمي "كم تذكرني هذه الأيام بالبدو الرحل الذين يتنقلون من مكان لآخر من أجل أن يجدوا العشب والكلأ لأغنامهم ومواشيهم".

ويشير إلى النعم التي أنعمها الله علينا في هذا الزمن الذي نعيشه، ويتساءل في الوقت نفسه هل كان يتوقع أجدادنا أن نصل إلى ما وصلنا إليه ونجلس في هذه الأماكن لكي نتنزه ونروّح عن أنفسنا بينما هم كانوا يتخذونها موطناً للرزق والعيش؟


لعب ومرح

يحرص هؤلاء الشباب على الإلحاح على أسرهم من أجل التوجه إلى تلك المنطقة؛ حيث مخيمات مضيئة تنتظر أن تتملئ بزوارها وعمارها، فما تلبث أن تتحول إلى مكان يعج بالحركة بعد أن كان خالياً منها، وبعد أن تحدّق النظر قليلاً ترى أفواجاً من الشباب يملؤون المكان وكل منههم قد امتطى دبابة وأخذ يهرول فيه مسرعاً تارة يمنة وتارة يسرة ليحولوا ظلمة المكان إلى أنوار متلألئة تعانق أنوار السماء.

الشاب عبدالله الظفيري يبرر توجهه إلى تلك المنطقة باعتبارها منطقة مفتوحة يمكن أن يمارس فيها ركوب الدبابات، ويضيف الظفيري قائلاً:"نصطف مجتمعين أنا ورفاقي من أجل أن نحول المناطق الخالية إلى رالي مصغر نتسابق فيه ونقضي أجمل الأوقات مع بعضنا". ويضيف أنه ينتظر عيد الفطر بفارغ الصبر ليأتي إلى هذا المكان الذي يشكل له الكثير؛ حيث اعتاد بشكل سنوي في هذا الموسم أن يتوجه هو وأصدقاؤه مع اصطحاب أهله الذين شجعهم على مرافقته هذا العام كما يقول.

عوائل وشباب

يذكر أن كثيراً من العائلات تخشى المشاركة في هذه المتنزهات نظراً لانتشار الشباب حولها إلا أنّ يوسف العقيلي (45 عاماً) كسر هذا الحاجز الذي لا يعتبره أحد مسوغات امتناع العوائل من التوجه إلى تلك المناطق؛ حيث الجو الدافئ والطبيعة الخلابة. ويشدد العقيلي على ضرورة وجود تنظيم للمكان وخصوصاً في أيام العيد.

إلا أن العقيلي يؤكد أنه ليس هناك شيء يدعو للقلق بالرغم أنه يأتي من مدينة الخبر من أجل أن يقضي العيد في أجواء البر، فهو يحرص هو وعائلته بشكل دوري على التوجه إلى منتزهات ثرمداء ليقضي أجمل الأوقات بعيداً عن البحر ورطوبته، ليستذكر هو وأسرته في ليل دامس وتحت مصابيح النجوم أياماً جميلـة كانوا قد قضوها قبل سنوات مضت في نفس المكان.

قصر العناقرة

يعد قصر العناقرة الذي بناه إبراهيم بن سلمان العنقري في عام 1136، من أشهـر معالم المدينة، وتبلـغ مساحته الإجمالية 1800 متر مربـع، وتبنى صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيـز مشروع ترميم القصر الأثـري، إلى جانـب عدد من المواقـع الأثرية التي تحـتاج إلى مزيـد من الاهتمـام بتلك المواقع الأثرية.