انطلاقا من أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030 المتمثلة في عمقها العربي والإسلامي، حرصت الدولة على استثمار جذور ذلك العمق وإبرازه وجعله واحدا من أهم أوجه القوة والممكنات. وهذا العمق يشمل أطيافا عدة دينية وسياسية واقتصادية وحضارية وثقافية، لتستوعب الرؤية تلك المرتكزات كافة بالمساحة ذاتها من الاهتمام والدعم.

وبالعودة لجذورنا التاريخية وقراءة ذلك الماضي المضيء بالمنجزات. نجد أن دراسة حالة ذلك الماضي يجب أن تستوعب الأدوات الموجودة فيه كافة. لذا فإنه لا يمكن الحديث عنه دون الإشارة للإبل، وهي التي كانت عنصرا أساسيا في موروثنا الشعبي في أزمنة وعصور متلاحقة.

ذلك الارتباط التاريخي بالإبل جعل المولعين بعالمه في وقتنا الحاضر كثرا. وهذا الاهتمام والإعجاب والافتتان بها كان يغيب عن العمل المؤسسي وتحضره العشوائية والممارسات الخطأ في كافة المناسبات المتعلقة بالإبل، بل إنه في السابق كان ينظر لها كدعوة للرجعية وإيقاظ العنصرية.

إلا أن تلك النظرة تبدلت تماما وتحديدا بعد أن أولي ذلك الملف اهتماما حكوميا بالغا والمتمثل بنادي الإبل الذي سعى في المقام الأول إلى وضع منهج لعمل مؤسسي يقوده باقتدار رئيس نادي الإبل فهد بن حثلين من خلال رعاية ذلك الموروث وتنظيم المسابقات والنشاطات المتعلقة به، إضافة إلى توسيع ذلك النطاق إلى آفاق أكثر رحابة وسعة من حيث جعل الحدث رقما مهما في خارطة أحداث الفعاليات وجعلها قبلة سياحية وثقافية مهمة تستهدف في المقام الأول صناعة الوعي بعالم الإبل. هذه الفعاليات لا تقتصر على مشاهدة الإبل فقط، وإنما أصبحت رحلة ثقافية شاملة تحت ما يسمى «التعليم بالترفيه»، وهذا لاقى أصداء واسعة حتى من قبل غير المهتمين بعالم الإبل علاوة على الكم الكبير من الوفود الأجنبية والزوار المقيمين الذين حرصوا على التعرف أكثر على العالم. الذين وجدوا من زيارات تلك الفعاليات المعلومة الثرية والمتعة البصرية.

التحول الكبير ليس مقتصرا على الداخل فحسب بل امتد لما هو أبعد من ذلك حيث صدرت ثقافة الإبل للخارج، وذلك من خلال ما أعلن عنه الأسبوع الماضي حول تأسيس جمعية أمريكا الشمالية لملاك مزارع الإبل، إضافة إلى أنها رسخت الاهتمام به من خلال إطلاق اليوم العالمي للإبل بتاريخ 22 من هذا الشهر ليكون هو محفلا عالميا.

الاهتمام بالإبل له أبعاد ليست محصورة في مجال واحد بل تنسحب لمجالات عدة. ومن ثم فإن تغير الصورة النمطية عن الاهتمام بالإبل يعتبر نقطة بالغة الأهمية بحيث أصبح اهتمامنا بها مصدر اعتزاز وفخر لنا وعدم تنكر لماضينا. كما أنها تعتبر من النوافذ الاقتصادية المهمة عبر مسارات عديده منها ما أقدم عليها نادي الإبل بالبحث عن الفرص الاستثمارية المحلية والخارجية وذلك بالتعاون مع الغرف السعودية حيث إن السوق السعودية تستوعب جذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية في هذا القطاع الواعد.

كل هذا الاهتمام ليس بالأمر الطارئ أو المستحدث وإنما يأتي ضمن مشروع ثقافي ضخم حملته الرؤية بالاهتمام بتفاصيل موروثنا الشعبي كافة، فنجد إبراز جمالية السدو وتصاعد الاهتمام بالخيل، إضافة إلى إبراز فولكلور مناطق المملكة والاهتمام بنبتة الخزامى وجعل لونها هو اللون الرسمي لسجادة استقبال الوفود، جميعها معطيات تبين حجم الاهتمام البالغ بأدق تفاصيل الموروث وجعله أكثر عصرنة والتصاقا بالأجيال الشابة وزيادة الاعتزاز بتلك المكتسبات.

يقول المفكر والناقد الأدبي الفرنسي أندريه مالرو: المستقبل هو الحاضر الذي يخلفه الماضي لنا!