فيما كشفت نتائج دراسة أمريكية حديثة عن فوائد صحية جديدة للزواج، من بينها الحد من خطر الإصابة بأمراض القلب وإطالة العمر، أكد استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشرايين الدكتور خالد النمر بأن «زواج الشيبان محفز لنشاط القلب وللمشاركة العاطفية والنفسية التي يحتاجها بعض المسنين»، مشيرا إلى أن غالبية الناس يركزون على الجانب الفسيولوجي للزواج متجاهلين حاجة كبار السن للجانب الاجتماعي، جانب الرحمة والمودة، وهو ما قاد كثيرا من المختصين إلى إطلاق تسمية «زواج الونس» على زواج المسنين.

وبحسب آخر الإحصائيات الصادرة من هيئة الإحصاء السعودية فإن 27% من كبار السن، الذين تخطوا الـ65 من أعمارهم أرامل، بينهم 4,2% ذكور و49,4% إناث، في حين كانت نسبة المطلقين من المسنين 2%، منهم 1,2% ذكور و2,1% إناث، فيما بلغت نسبة المسنين المتزوجين 70%، بينهم 93,6% ذكور و47,3% إناث.

حالات حقيقية

يقول النمر لـ«الوطن»: إن موضوع زواج كبار السن موضوع يستحق الاهتمام، فطبيعة الحياة تؤكد أن الأبناء والبنات يذهبون مع أزواجهم والكل يستقر بحياته، وحين يفتقد أحد الطرفين من كبار السن شريكه يكون بمسكنه لوحدة، وليس لديه سوى خادمته والسائق، أو السائق فقط، وهؤلاء فقط يقومون على خدمته.

وأضاف: سألني أحد المرضى بالعيادة أمام ابنه هل من الممكن أن أتزوج يا دكتور؟ فأجبته قلبك ما يمنعك أن تتزوج، ورد ابنه كيف تقول لأبي تزوج وهو كبير بالعمر، فقلت: نحن لا نتحدث عن العلاقة الجسدية لزواج المسنين، وإنما هذه الفئة تحتاج للمودة والرحمة، فهم بحاجة لشخص يتحدثون معه، يشاركهم القهوة والوجبات اليومية، ويكون قريبا منه بالعمر.

حق للجميع

أوضح النمر أن زواج كبار السن ليس خاصا بالرجل أو بالمرأة، بل هو حق للجميع، وليس عيبا أو حراما أن يتزوج كبير السن أو تتزوج كبيرة السن، مبينا أن زيارة الأبناء للاطمئنان على كبار السن تكون على عجالة، فيما يجلس المسن بقية اليوم لوحده دون أنيس.

وعن رفض الأبناء لزواج آبائهم أبان النمر أن طبيعة النفس البشرية تحب المال، مستشهدا بقوله تعالى: «وأنه لحب الخير لشديد»، فهناك بعض الأبناء والبنات يعارضون فكرة الزواج بسبب الميراث والأموال، إضافة للمفهوم الخاطئ عن كبير السن الذي وصل لعمر السبعين بأنه سيموت قريبا، وأضاف «شخصيا وقفت على حالة مسن تزوج من الخادمة بطريقة سرية بسبب رفض أبنائه الشديد فكرة زواجه».

انعكاسات صحية

حول الانعكاسات الصحية على كبير السن الراغب بالزواج، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، أفاد النمر بأنه «من المعروف أن كبار السن يكثر عندهم الاكتئاب، خاصة عند فقد أحد الطرفين، فعندما يجد الاهتمام والمشاركة بالحياة اليومية تجدهم يهتمون بصحتهم وبنظافتهم الشخصية والمداومة على أخذ الأدوية بانتظام، وتكون معنوياته عالية، مما ينعكس على نتائج التحاليل والفحوصات فالحالة النفسية تعتبر جزءا كبيرا جدا من الحالة الجسدية».

وغير بعيد عن رأي الدكتور النمر، تظهر دراسة حديثة أن المتزوجين ربما يكونون بصحة أفضل من العزاب أو المطلقين أو الأرامل لأسباب، من بينها انخفاض مستويات هرمون للتوتر له علاقة بمشكلات صحية شتى.

وكانت أبحاث سابقة ربطت بين الزواج وإطالة العمر وفوائد صحية أخرى، وجاءت هذه الدراسة الجديدة لتلمح إلى فائدة أخرى محتملة للزواج، وهي الحد من التوتر، ولإجراء الدراسة فحص باحثون مستويات هرمون يعرف باسم كورتيزول يفرزه الجسم عند التوتر، وأكدوا أن الزواج قد يساعد في تحفيز المرء على الالتزام بأسلوب حياة صحي أو تفادي سلوكيات قد تؤدي إلى الإصابة بالأمراض مثل التدخين أو شرب الخمر.

وعكف الباحثون على دراسة مستويات الكورتيزول في المجمل، وكذلك تقلباتها لدى المشاركين «أكثر من 500 مشارك» على مدار اليوم، وأشار الباحثون في دورية «سايكونيورواندوكرينولوجي» إلى أن مستويات الكورتيزول تصل في العادة إلى ذروتها عندما نستيقظ ثم تنحسر خلال اليوم.

وأضافوا أن مستويات الهرمون كانت تنخفض بوتيرة أسرع لدى المتزوجين، وهو ما يؤدي إلى فوائد صحية من بينها الحد من خطر الإصابة بأمراض القلب وإطالة العمر بين مرضى السرطان، وتقول الدراسة «إن السبب في انخفاض مستويات الكورتيزول في أجسام المتزوجين وتراجعها بسرعة أكبر خلال اليوم ربما يكون لأنهم أكثر رضا عن علاقاتهم، ولا يشعرون بالتوتر المرتبط بكون المرء في علاقة عاطفية سيئة أو غير متزوج».

حكم ومقاصد

من جهتها، أبانت المحامية والمستشارة الاجتماعية رباب أحمد المعبي، أن «الله سبحانه شرع الزواج تحقيقاً لعدد من الحِكم والمقاصد، منها إعفاف الزوجين، وصيانتهما عن الوقوع في المحرّمات والفواحش، ورعايتهما بعضهما بعضا، والانتفاع من الحقوق الواجبة لهما من الطرف الآخر، فالرجل والمرأة يؤديان ما عليهما من حقوق وواجبات تجاه بعضهما، وبذلك تتحقق السكينة والمودة والمحبة والاطمئنان النفسي لكليهما».

وقالت: «زواج كبار السن، رجالا أو نساء، أمر مباح شرعا، خاصة لمن فقد زوجه إما بالوفاة أو الانفصال، مع أهمية تحقيق الضوابط الشرعية والنظامية، ومنها أن يتناسب العمر بين الزوجين بعدم وجود فارق كبير في العمر، لأن أغراض النكاح ومقاصده كثيرةٌ، ومنها تحصيل الأُنس والمودَّة والسُّكنى، خاصة عندما يكبر الأبناء وينشغلون في بناء حياتهم الشخصية، فهنا تكون الحاجة لوجود الجليس والونيس، فالزواج خير من أن يعيش الطرف الثاني وحيدا، فهذه الوحدة سبب للاكتئاب ولعدد من الأمراض، لذلك بعض المسنين يبحث عن زوجة قريبة من عمره، ليكملا ما تبقى من حياتهما سويا، ليؤنسا وحدتهما، وهو حق يكفله الله للرجل والمرأة، فلم يحرم الله زواج كبار السن، لذلك لا يمكن الحكم على زواج كبار السن مسبقاً بالنجاح أو الفشل، فالتجارب تختلف باختلاف الدوافع والشخصيات والاحتياج، وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص غير المتزوجون لديهم قابلية للإصابة بمستويات عالية من الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية وتقلبات المزاج، ومشكلات التوافق والسلوك الانتحاري، ذلك كله بسبب تأثر إنتاج هرمون الكورتيزول المسؤول عن الضغوط خلال المواقف الضاغطة، وهذا بحسب دراسة تمت في ولاية فلوريدا عام 2010».

موروث ثقافي

بينت الأخصائية النفسية نجلاء البريثن، أن لكل مجتمع موروثات ثقافية وعادات وتقاليد، وليس كل ما هو مدرج تحت هذه الموروثات والعادات والتقاليد يعد صحيحا، بل هو نتاج أزلي لأفكار توارثت عبر الأجيال.

وأضافت: «كثيرا ما نسمع عن زواج كبار السن من الآباء أو الأمهات بعد أن يفقد أي منهما الآخر، إما بسبب الوفاة أو الطلاق، ولكن يا ترى هل هذه الفكرة تمر مرور الكرام لدى الأبناء، أم لا؟.. في بعض المجتمعات التي لديها موروث ثقافي ثابت وغير قابل للتجديد أو التغيير إلا فيما ندر من بعض الأشخاص الذين يرون حقيقة الأشياء ونتاجها من خلال التفكير الصائب والمنطقي، وليس نتاج أفكار قديمة مسيطرة دون وجود مبررات مقنعة».

حياة فارغة

وعن سبب إقدام كبار السن من الآباء والأمهات على الزواج بعد فقدان الطرف الآخر، ذكرت البريثن «أحياناً وبعد أن يتزوج الأبناء ويستقلون بحياتهم الزوجية والاجتماعية يهملون آباءهم ويبتعدون عنهم بسبب انشغالهم، لذلك تجد الآباء والأمهات يعيشون حياة فارغة مليئة بالفجوات التي تشعرهم بحاجتهم إلى من يملأها، لذلك نجد أكثرهم يلجأ إلى الزواج، وقد نرى من خلال واقع أن حياتهم تتحول إلى منحنى آخر لوجود من يشعرهم بوجودهم ومن يجاذبهم أطراف الحديث، ويجدد شعورهم بجمال الحياة، ونرى ذلك ينعكس حتى على حياتهم الصحية فتقل نسب الاكتئاب والقلق».

وقالت البريثن «على العكس هناك من لا يعطي الآباء فرصة للزواج، وذلك بسبب احتوائهم لهم وشعورهم بالمسؤولية تجاههم وإشراكهم في جميع ما يخصهم في هذه الحياة، وهناك في الجانب الآخر من يفكر عكس ذلك، حيث تغلب عليهم الأنا، فهم لن يقدموا لآبائهم ولن يرضوا عن زواجهم.. للأسف يظن البعض أنه بمجرد وصول الآباء إلى سن معينة، فإنهم يصبحون مجردين من المشاعر، وأن مجرد تفكير آبائهم بالزواج في هذه السن يعد نوعا من أنواع العيب، فهم يرون في آبائهم الوقار والهيبة، فكيف لهم أن يفكروا بالزواج، فبدلا من أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال للأسف يتوجهون إلى مقاطعة آبائهم والتحامل عليهم بسبب زواجهم».

وأوضحت «زواج الكبير في السن بعد فراق من معه واستقلال أبنائه في حياتهم له أثر إيجابي في استقراره نفسياً، وانتشاله من بؤرة الاكتئاب والأمراض التي ستصبح ملازمة له مع شعوره بالوحدة، كذلك وجود من يحادثه ويسترجع ذكرياته معه له أثر جميل في نفسه، خاصة أن كثيرا من كبار السن يحبون أن يتحدثوا عن ذكريات الماضي ويستمتعوا في الحديث عنها».

وأضاف «أما ما ينعكس بالسلب على زواجه عندما يتزوج بمن هي أصغر منه بكثير، حيث يكون الفارق في العمر كبيرا، فسوف يجعل الحياة غير متكافئة، وتصبح هما عليه بسبب الفارق في التفكير والاهتمام».

وتابعت «من الأمور السلبية التي قد تنعكس على زواج كبار السن وجود أبناء أنانيين لا يفكرون إلا بأنفسهم فلا يقدمون ولا يريدون أن يسعدوا آباءهم، وهنا تصبح حياة الآباء بعد الزواج غير مستقرة بسبب بعض الأبناء الذين ليس لهم هم إلا التنكيد عليهم حتى يتخلصوا من هذه الزيجات».

إيجابيات يحققها الزواج للكبار

1ـ يشبع رغباتهم في الشعور بالأمان.

2ـ مهم للحفاظ على الصحة النفسية لكبار السن.

3ـ يقلل الاكتئاب بسبب وجود الونس وعدم الشعور بالوحدة.

4ـ يحسن الصحة الجسدية المرتبطة بتحسن الصحة النفسية.

5ـ يحقق لكبار السن التزاماً أشد بتناول جرعات الدواء لوجود من يساعدهم ويذكرهم بها.

6ـ يقلل من فرص الإصابة بالزهايمر.

7ـ يقلل من فرص الإصابة بأمراض التغذية مثل: فقدان الشهية.