تابعت جزءًا من لقاء تليفزيوني أجري خلال الأيام الماضية مع نادر الوهيبي، مساعد محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للشؤون التأمينية، تطرق فيه إلى التداعيات «السيئة» لتزايد حالات التقاعد المبكر، وارتفاع متوسط العمر للموظفين، وذكر أن عوائد استثمار النسبة المستقطعة من رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين (9%) لن تكون كافية لتغطية التزامات المؤسسة تجاه المتقاعدين، وتوفير رواتبهم المستحقة لفترة طويلة، حتى لو كانت عوائد الاستثمار «فلكية».

وقد استوقفتني العبارة الأخيرة من ذلك التصريح الغريب، ولا أدري هل يدرك الأستاذ نادر معنى «العوائد الفلكية»؟ أم أن «العدد الفلكي» يشير إلى أرقام صغيرة وفق منظور المؤسسة، بخلاف معناه المعروف لدى الجميع؟ .

بإجراء عملية حسابية بسيطة نفترض فيها بطريقة عشوائية عددًا «فلكيا» يمثل عوائد استثمار سنوية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، سنجد أن مبلغ 100 تريليون ريال سعودي (ما يقارب 30 تريليون دولار) كافٍ لتأمين ما مقداره 1041 ريالا –تقريبًا- كراتب شهري لكل فرد يسكن هذا الكوكب (12500 ريال سنويًّا)، يشمل الموظف والعاطل والغني والفقير والذكر والأنثى والطفل والشيخ والعالم والجاهل، وذلك على افتراض أن العدد الإجمالي للسكان قد أتم 8 مليارات نسمة.

ولو أردنا قصر ذلك العائد «الفلكي» على تأمين معيشة الشعب الصيني العظيم والمعروف بتصدير كل شيء تقريبًا، بما في ذلك بعض الأمراض الفتاكة والأقمار الصناعية الخارجة عن السيطرة، والبالغ عدد أفراده حوالي 1.5 مليار، فسوف يكون نصيب كل فرد 5555 ريالا شهريًّا (66666 سنويًّا).

وأخيرًا لو خصصنا العائد نفسه لتأمين معيشة جميع المواطنين السعوديين، وليس المتقاعدين فقط، فسوف يتم صرف ما يقارب 300 ألف ريال شهريا لكل مواطن سعودي «أكثر من 3 مليونات ريال سنويا»، فكيف إذا حصرنا ذلك العائد «الفلكي» على المتقاعدين من المواطنين السعوديين لا غير؟ كم سيكون نصيب كل واحد منهم حتى لو أردنا تقسيم ذلك العائد على عدة سنوات قادمة؟، وكيف يزعم الأستاذ نادر أن المؤسسة ستواجه عجزًا في توفير معاشات المتقاعدين حتى لو كانت عوائد الاستثمار فلكية؟ خصوصًا وأن نسبة 57% من المتقاعدين لا تتجاوز رواتبهم 3 آلاف ريال فقط، بحسب ما ذكر الكاتب الصحفي عبدالله السالم.. ! .

زيادة على ما سبق، فقد تحدث الأستاذ نادر بشيء من الهلع عن زيادة متوسط العمر للموظف السعودي وكأنها ظاهرة خطيرة تنذر بحدوث كارثة وشيكة، وذلك بعد أن أصبح متوسط العمر هو 77 سنة، وقد كان 60 سنة، وهذا يعني تكاليف إضافية لمدة 17 عامت (الفرق بين 60 و77)، وإذا أخذنا في الاعتبار مسألة التقاعد المبكر، فهذا يعني ضغطا أكبر على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ولذلك ومن باب التعاون مع المؤسسة لتوفير أكبر قدر ممكن من دخلها وعوائدها، أقترح أن يختار الموظف بين التقاعد المتأخر، أو الوفاة المبكرة!

في الختام.. لا حاجة للتذكير بأننا نعيش أزمة اقتصادية طالت بتأثيرها السلبي جوانب المعيشة لمن هم على رأس العمل، فكيف بالمتقاعدين الذين لا يزيد الراتب الشهري لأكثر من نصفهم على 3 آلاف ريال «كما أسلفت»؟، والأمل معقود بانفراج تلك الأزمة في أقرب وقت، تفاديًا لانخفاض متوسط العمر إلى ما دون الأربعين!