التورية، أو إخفاء المعنى الحقيقي من الكلام، هي وسيلة يستخدمها البشر في محادثاتهم، خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي، فقد يكتب أحدهم جملة ما، وتخفي تلك الجملة معنى مختلفا تماما عما يظهر للعامة، ويمكن تقسيم التورية إلى نوعين: الأول أن يكون الكاتب يقصد تلك التورية، والنوع الثاني هو أن يفهم القارئ شيئاً مختلفاً عما كان مكتوباً.

التورية ليست بالأمر السلبي على الدوام، إذ إنها قدرة بشرية على إيصال معلومة بصورة مبتكرة، فيستخدم البشر التورية لعدد من الأسباب، مثلا كوسيلة لترسيخ المعلومة المراد إيصالها، أو للتلميح لأمر لا يرغب الكاتب في الحديث عنه صراحة، أو لإعادة التأكيد على معلومة ما، وعلى الصعيد الآخر، فإنه يمكن استخدام التورية للتهكم أو السخرية غير المباشرة، وبشكل عام فالتورية يمكن أن تستخدم لاختصار الحديث في موضوع طويل، فبعض العبارات قد تغني عن كثير من الجمل.

مع الكم الكبير من المحتوى الذي يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي، فإن إدارة تلك المنصات تسعى إلى التخلص من المحتوى السلبي الذي يُنشر، وهذا لا يعد بالأمر السهل، وإذا كان المحتوى غير المرغوب فيه من سخرية أو تهكم، موجود على شكل تورية، فإن عملية التعرفة على ذلك المحتوى لإزالته تصبح أكثر صعوبة، ولذا تعمد تلك المواقع لاستخدام تقنيات آلية، كالذكاء الاصطناعي، للتعرف على الرسائل التي تحتوي على تورية غير ملائمة، وقد أثبتت الأبحاث أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي يمكنها التعرف على الرسائل المبطنة أو الضمنية بدقة تفوق 87% بقليل، أو على الأقل هذا ما كان الجميع يعتقد.

طالب الدراسات العليا بجامعة أدنبرة (University of Edinburgh) سلفيو أوبريا (Silviu Vlad Oprea) نشر بحثاً قام فيه بإعادة تطبيق عدد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي تستخدم لاكتشاف المنشورات التي تحتوي على تورية للتهكم أو السخرية، ولكنه قام بالتفريق بين نوعي التورية، أي النص الساخر من وجهة نظر القارئ، ومن وجهة نظر الكاتب، حيث قام باختبار الخوارزميات على قاعدة بيانات جديدة، تحتوي على نصوص أقر أصحابها بأنهم كانوا يبطنون رسالة في كتاباتهم، وكانت النتيجة أن تلك الخوارزميات التي حققت أرقاماً عالية في السابق، تناقصت دقتها إلى الثلث، مما يعني أن الخوارزميات التي كانت في السابق يُعتقد أنه بإمكانها الوصول إلى دقة عالية، إذا تم تدريبها على قواعد بيانات أكثر موثوقية، فإن دقتها لا تكاد تفي بالغرض، وهذا ما يعيد العلماء والباحثين إلى المربع صفر، أي إلى بداية المشوار.