لطالما اعتبرت خدمة الحجاج والمعتمرين من أسمى الخدمات التي تعتز المملكة بتقديمها لضيوف الرحمن، منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- وصولا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-، وهي في سبيل ذلك لم تدخر يوما من الأيام، ولن تدخر جهدا أو وسعا لخدمتهم والعمل على راحتهم والتيسير عليهم رحلة إتمام مناسكهم بكل راحة وسهولة.

وبموازاة ذلك دأبت المملكة على إيلاء سلامة الحجاج وصحتهم وأمنهم حرصًا بالغًا وعنايةً تامة، وتضع ذلك في مقدمة أولوياتها؛ وترجمة لذلك جاء القرار الذي اتخذته للعام الثاني على التوالي بتنظيم فريضة الحج وقصرها على 60 ألفا من حجاج الداخل من المواطنين والمقيمين، وذلك في إطار مساعيها لاحتواء جائحة كورونا، في الوقت الذي منعت فيه دول عديدة أنشطتها الدينية بعد تفشي هذا الفيروس المستجد.

فمنذ تأسيسها، عودتنا المملكة على تعاملها الإيجابي مع الأزمات وإدارتها، ومنها الظروف الاستثنائية لهذه الجائحة التي شكلت تحديا حقيقيا لدول العالم بأسره لاختبار قوتها وحنكتها، وبعون من الله أولًا وآخرًا، اختارت القيادة الحكيمة خوض هذا التحدي للعام الثاني، وسمحت بأداء خامس أركان الإسلام لتواصل النجاح في المعادلة الصعبة، وهي الحفاظ على أرواح الحجيج، في رسالة سامية تعكس التزامها الإنساني والأخلاقي تجاه سلامة شعوب العالم، وهذا هو نهجها التاريخي والثابت الذي يقود إلى خير البشرية.

ولا شك في أن قصر الحج هذا العام على المواطنين والمقيمين داخل المملكة يجسد حكمة القيادة السعودية وخبرتها الممتدة في تنظيم شؤون الحج، ويظهر مدى حرصها على صحة الحجاج وسلامتهم، وخاصة مع ظهور تحورات جديدة لهذا الوباء الذي بات يهدد أرواح الناس في كل مكان من العالم، امتثالاً لمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، التي أكدت على حفظ النفس البشرية، ومنها صحة وسلامة ضيوف الرحمن، باعتبار ذلك من الواجب الشرعي تجاه المسلمين والرسالة السامية التي قامت وتقوم بها المملكة تجاه الحرمين الشريفين وقاصديهما، لتوفر لهم كل أسباب الراحة والطمأنينة، بما يتوافق مع قيم ورؤية المملكة 2030.

والمتابع يجد أن هذا القرار ما هو إلا امتداد واضح للجهود الكبيرة التي تبذلها جميع القطاعات المعنية بالمملكة التي تسخر كل إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية، منذ وقت مبكر، في التجهيزات والإعدادات لإقامة هذا الموسم الاستثنائي على نحو آمن صحيًا مع تطبيق الإجراءات الاحترازية، وبما يتوافق مع البروتوكولات الصحية التي تتطابق مع القواعد العالمية لوأد العدوى وحماية الأرواح.

وبالمثل هذا العام، وضعت المملكة مجموعة من الشروط والقواعد واتخذت عددا من الإجراءات للحيلولة دون إصابة الحجاج والحفاظ على سلامتهم، ومن تلك الشروط أن تكون الحالة الصحية لمن يرغبون بالحج خالية من الأمراض المزمنة، وأن تكون ضمن الفئات العمرية من 18 إلى 65 عاماً للحاصلين على لقاح كورونا.

ومن دواعي الفخر ما أعلنته الجهات المعنية بالحج عن اكتمال استعداداتها كافة، لاستقبال حجاج بيت الله الحرام، وسط آليات صحية مشددة وإجراءات صارمة تبدأ من إخضاع ضيوف الرحمن لفحص فيروس كورونا قبل الوصول لمكة، وبعد وصولهم يتم إخضاعهم لفحص لدرجة الحرارة مع تزويدهم بجميع مستلزمات وأدوات الإحرام والملابس المعقمة، وحصى الجمرات وسجادات ومظلات وكمامات، فضلا عن منع المصافحة ولمس الكعبة، إضافة إلى إقامة المرافق الصحية والعيادات المتنقلة مع تجهيز سيارات الإسعافات لتلبية احتياجاتهم.

ولعل جديد هذا العام، وفقا لما أعلنته وزارة الحج والعمرة، هو تجهيز مواقع إقامة ضيوف الرحمن في مشعر منى، ضمن منظومة أعمال تعتمد على الهوية البصرية الجديدة، وبالقرب من منشأة الجمرات، ورابط إحداثيات المواقع بالبطاقة الذكية للضيف، كما أطلقت مسارا إلكترونيا للحجاج بما يضمن أداء الشعائر في صحة وأمن وسلامة، هذا علاوة على توفير أكثر من مليون وجبة مسبَقة التحضير، أعدت وفقَ أعلى معايير الجودة والسلامة، ضمن منظومة إعاشة موثوقة المصدر، بإشراف مباشر من الجهات ذات الاختصاص.

كل الشكر والتقدير باسمي واسمكم جميعا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله، على عنايتهما ورعايتهما لكل ما يخدم الإسلام والمسلمين بالعالم، وإلى الله العلي القدير نتضرع أن يصرف عن المملكة وسائر دول العالم هذا الوباء كورونا، وأن يديم على وطننا العامر نعمة الأمن والأمان، وأن يحميه من كل شر ومكروه، وأن يبارك في جهود ولاة أمره وشعبه المجيد.