يقول الدكتور حمزة المزيني في كتابه «واستقرت بها النوى» الذي يروي فيه تفاصيل وسيرة حياته: (ومن المؤكد أنني كغيري من بني البشر، لم أخطط بوعي لما مررت به من تجارب في حياتي، لا سيما في الفترات التكوينية ‏الأولى. فالبشر نتاج صدفٍ تمليها الظروف التي نشأوا فيها وتحيط بهم، وتدفعهم إلى اتجاه بدلاً من اتجاه آخر. وما يبدو لنا حين نستعرضه في وقت تالٍ وكأنه تخطيط واعٍ تظهر فيه تجاربنا وكأنها نتائج ‏تترتب على مقدمات صريحة محددة؛ فهي صورة مظللة تفرضها الذاكرة على الأحداث التي تمر بالفرد حين يحاول اكتشاف المنطق وراءها).

وفي كتاب الطريق إلى مكة يتساءل محمد أسد: (هل يوجد حقا من يستطيع أن يفهم المعنى والمغزى من حياته ما دام هو على قيد الحياة؟) ثم يضيف: (نحن لا نعرف بالطبع ما حدث لنا في فترات ومراحل عمرنا المختلفة، ‏وقد ندرك ونفهم أحيانا لماذا وكيف حدث لنا ما حدث؟ إلّا أن هدفنا ووجهتنا وبالتالي مصيرنا، لا يمكن أن نلمحه أو نحيط به؛ لأن المصير هو مجموع مع اعتمل بداخلنا وحركنا في الماضي والحاضر، وكل ما سيعتمل بداخلنا ويحركنا في المستقبل، ولذلك فإنه لا يفصح عن مكنونه إلا عند نهاية الطريق، ولا بد أن يظل ‏مغلقًا عن الفهم أو نصف مفهوم ما دمنا على درب الحياة).

هذه هي الحياة، تحاول أن تسيّرها وفق ما ترغب، فإذا هي تسيّرك وفق ما ترغب هي به.

محطات تنغلق في حياتك وأنت تعوّل عليها الشيء الكثير، ثم لا تدرك إلّا وهناك محطات أخرى تنفتح لك أبوابها من دون تخطيط منك.

تخرج منهزمًا من مرحلة تتوقع أن لا نجاة لك منها، وإذا بسفينة تنتظرك في جزيرة خرجت لك في عرض بحور هزيمتك، وما عليك إلّا أن تركبها وتسير تاركًا خلفك انكساراتك وآلامك إلى مرحلة جديدة.

هل عليك أن تترك زمام حياتك بلا قيادة ولا تخطيط؟ بالطبع لا، ولكن عليك أن تتوكل على الله حق توكله، وأن تحسن التفكير في عواقب الأمور، وأن تستشير ذوي الرأي، وأن تحاول أن تكون من الأشخاص الذين يفكرون ويقلّبون الأمور في رؤوسهم بشكلٍ جيد؛ وإذا اتضحت لك الرؤية احزم أمورك نحو أهدافك ومبتغاك.

بعض القرارات ستؤلمك، وبعض الأمور ستحيّرك، وبعض الأفعال ستصيبك بدوامة من التفكير المقلق لراحتك، وستتقلب في حياتك من أمرٍ إلى أمر آخر، بل وقد تتغير حياتك اليوم عن حياتك قبل عام. لا عليك، هي الحياة هكذا. ومثلما قال الدكتور حمزة، هي صدف تمليها عليك الظروف، وتدفعك من اتجاه إلى اتجاه آخر. لا تخف، فالمطلوب منك هو فقط أن تسير متزنا وحكيما قدر المستطاع، وإلا فالحياة مثلما قال محمد أسد؛ لن تفهم مغزاها ما دمت تسير فيها.