شكلت زيادة الوعي بأصول التربية وتقدم علم النفس في تنبيه الأهل إلى الأثر السلبي للتهديد الذي تمثله سلطة أصغر الأولاد، أو كما يقال آخر العنقود أو الطفل المدلل وأيقونة البيت، والمدير الأصغر، وصاحب الكلمة النافذة، وبالتالي العمل على الحد منها ليكون مستقبلا في وضع أفضل، بعد أن تكررت تجارب الأثر السلبي للتدليل الزائد الذي يحظى به، والذي يجعله اتكاليا حتى حين يكبر في العمر.

كثيرا ما حظي الطفل الأصغر بالحب والحنان والدلال الأعظم وتلبية طلباته، وبفرض شحصيته على الوالدين، حيث يحق له ما لا يحق لأخوته الذين سبقوه إلى الحياة، حتى أنه يحول أحيانا سطوة الأب وجبروته إلى سلوك يشبه سلوك الحمل الوديع أمام رغباته.

عنوان السعادة

يقول الدكتور، الأخصائي النفسي عبدالله أحمد «آخر العنقود هو منبع الفرح وعنوان السعادة والبهجة في الأسرة، بخاصة عندما يكبُر الوالدان وينضجان ويتسمان بالاتزان الانفعالي وإيجابية الخبرة، ما يجعل الأصغر في الأسرة ينعم بها ويجني ثمارها حيث يحيط به الحب والدلال، والخوف أيضا من كل جانب، فتسقط أمامه القوانين والمعايير، ولا بد من الإشارة إلى أن ترتيب الأبناء ووجود الأشقاء في الأسرة الواحدة يعدان من العوامل النفسية المؤثرة جدا في تكوين شخصياتهم، وتكوين العلاقات بينهم، إضافة إلى درجة التفاعل والتماسك والبناء علما أن نشأتهم في أسرة واحدة وتعرضهم لنفس الظروف لا يعني أن تكون العوامل النفسية للأفراد متطابقة بل هي مختلفة تماما نظرا لترتيب الأبناء ودرجة ارتباطهم ببعضهم كأشقاء، وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية ومنها دراسة إحدى مؤسسات الأبحاث البريطانية التي أجرت دراسة مقارنة بين الأشقاء أظهرت نتائجها أن الصغير أكثر قبولا لأنه يميل للمرح ويضفي على العائلة البهجة».

ويضيف «في ذات السياق، فإن آخر العنقود سيتعرض إلى تهديدات حتمية سواءً بشكل أو غير مباشر مع الأيام، فالطفل من الناحية النفسية يتعود على الدلال والاعتمادية على الآخرين في تلبية رغباته وأمنياته واحتياجاته، ومع المراحل العمرية المختلفة تتأصل لديه صفة الاعتمادية السلبية والتمركز حول الذات والعدائية، ما يقوده إلى سلوكيات سلبية تثير الآخرين من حوله فلا يتقبلونه وربما يضمرون الكره والحقد له، ومن هنا يكون التدليل في الصغر محل تهديد وتسلط وكيد من قبل المحيطين».

سلطة وقتية

ترى الأخصائية الاجتماعية غالية السويدي أن «سلطة آخر العنقود وقتية، تختفي مع مرور الزمن عندما يكبر لأنه أضعف ممن سواه فتراه في صغره يستغل حب وشفقة أبويه لاستعداء أشقائه، وهذا السلوك السلبي يجعله الحلقة الأضعف عند الكبر بين أشقائه، وآلية التعامل المثالية مع الطفل آخر العنقود تتركز في ثلاثية (التعليم والتدريب وعدم التحيز) من خلال تنمية قدراته العقلية والسلوكية عن طريق تعليمه وتدريبه على الثقة بالنفس والاعتماد عليها في تلبية احتياجاته ورغباته الإيجابية وممارسة هواياته الفعالة وتكوين العلاقات الاجتماعية الشخصية المفيدة مع الآخرين أي أن تكون لديه شخصية مستقلة يستطيع من خلالها الفهم والإدراك والاستنتاج والاختيار بعيدا عن الاستسلام والانهزامية والاعتمادية السلبية على الوالدين والآخرين».

التعامل بتوازن

تعتقد سارة عبدالكريم الكستبان، أنه لا يمكن إطلاق حكم واحد يشمل آخر العنقود، فأوضاعه تختلف باختلاف التربية، وإن كان هناك اتفاق على وجود (الدلع)، وتقول «نلاحظ أن بعض الآباء والأمهات يصلون إلى مرحلة عالية من الفراغ، وعندما يأتي آخر العنقود يزداد الاهتمام والتفرغ لإشباع حاجاته، فيما يفترض أن يكون ذلك الإشباع لجميع الأطفال من قبله، حتى تكون التربية متوازنة، وحتى يكون الطفل بكامل ثقته في نفسه ولديه حسن التصرف بسبب اكتفائه عاطفة وحبا واستماعا يحتاجه الأطفال من الوالدين».

وتضيف «إذا أساء الوالدان التربية، فسيكون الصغير مدللا وسيئا في ردوده وغير متزن في تصرفاته، ورغم ما يحصل عليه من متطلبات فإنه متذمر وغير قنوع».

أيقونة البيت

يوضح سعيد السنيدي، أن آخر العنقود يحظى بدلال زائد عمن سبقوه، ويقول «أعتقد أنه كلما تقدم العمر بالأب والأم زاد دلالهما لأصغر أبنائهما وتعلقهما به، واللافت أن الأطفال في وقتنا الحالي لديهم قدرة عجيبة على كسب ود آبائهم وجعلهم يرضخون لأوامرهم بأسلوب فريد، فيكسبون تعاطف الجميع خصوصا الأب بشكل خاص، وآخر العنقود يعد أيقونة البيت أو المدير الأصغر، وأتذكر وأنا صغير عندما نحتاج أي شيء نستصعب الحصول عليه من الوالد نلجأ إلى شقيقنا الأصغر آخر العنقود ليقنع الوالد وبالفعل تنجح الخطة المرسومة، فهو لا يرد له طلبا».

سطوة الكائن الصغير

يعتقد محمد آل ساري أن سيطرة آخر العنقود ستظل وسيبقى مستحوذا على الدلال الأكبر حتى وقت طويل، كما كان في السابق بل أكثر، ويقول «للطفل الأصغر لذة خاصة تضفي حضورها على كل من في البيت، فله وضعه الخاص، ومهما كانت شدة الأب أو قوة شخصيته يصل إلى أكبر درجة من الحنان والليونة أمام ذلك الكائن الصغير الذي يجوز له ما لا يجوز لغيره».