تتناول البيانات الإحصائية الوطنية بصفة دورية، مسح القوى العاملة بهدف الوقوف على مستجدات السوق، وما يطرأ عليه من تغييرات وتطورات فيما تحتويه البيانات التفصيلية لموارده البشرية، وما يتعلق بها من خصائص اجتماعية مختلفة، ترتبط بسوق العمل، علاوة على الاهتمام بتوزيع تلك البيانات للموارد البشرية، ما بين المهن المختلفة والمناطق في المملكة، كما تهتم البيانات بتسليط الضوء على بعض الإشكالات التي تظهر من واقع البيانات الإحصائية، والتي تُجمع من مختلف المصادر الرسمية المعنية، بالإضافة إلى ما يدعم ذلك من بحوث ومسوحات علمية، تعتمد على العينة، لرصد ما يمكن جمعه من بيانات تتعلق بإشكالات وتحديات، يجدها المواطنون في مسار التوظيف والأجور في سوق العمل.

تتركز أهمية البيانات الإحصائية في شفافيتها، وفي تفاصيلها الدقيقة، ومصداقيتها، ليس للباحثين والدارسين لواقع السوق وتحدياته فحسب، وإنما لصناع القرار والمسؤولين في الجهات المعنية بالتوظيف في القطاعات المختلفة. وتُعد وزارة الموارد البشرية المعني الأول والأهم، في ضبط مدخلات السوق من الموارد البشرية المؤهلة، وفي مدى نجاحها في تحقيق نسب عالية من التوطين المستهدف في رؤيتنا الإستراتيجية، بما يناسب حجم مخرجاتنا المتعلمة بمختلف تخصصاتها ومستوياتها العلمية.

تحمل إحصاءات البطالة والتي أصبحت تتصدر بينات الهيئة العامة للإحصاء، الكثير من التنبيهات والأجراس التي تُقرع منذ سنوات، للفت النظر إلى مراجعة جميع السياسات والخطط الإستراتيجية ذات الصلة بسوق العمل والتوظيف والتوطين، والتي تستحق الوقوف عندها لكونها تلقي الضوء على خلفيات مقلقة لسياسات سوق العمل، وما يحمله من تحديات، تكاد تشمل جميع المستويات التعليمية والتخصصات في القطاعات المهنية من العام والخاص.

المتعطلون بايجاز هم تلك الفئة من السكان التي تمثل قوة العمل من (15 سنة فأكثر) وليس لديهم عمل ويبحثون عن عمل، وهم قادرون عليه ولكن لا يجدونه، وتشير الإحصاءات الأخيرة لبيانات مسح القوى العاملة في الربع الأول من عام 2021، إلى انخفاض نسبي في معدل البطالة بين المواطنين، مقارنة بآخر معدل له في الربع الأخير من عام 2020، إذ سجلت النسبة 11.7% بعد أن كانت 12.6%، ويعد ذلك المعدل هو الأقل منذ عام 2016 والذي تراوح فيه المعدل حول 12%.

تعيش السعودية منذ عام 2016، ومع انطلاق رؤية 2030 وحتى اليوم والمستقبل القريب؛ حالة من العصف المؤسسي والتنموي والانطلاق الاقتصادي الحضاري، في جملة من المشاريع والبرامج التنموية المختلفة التوجهات والأبعاد، والتي ترسم معالم السعودية اليوم والمستقبل، والتي سخرت لها الإمكانات المادية الهائلة ورصدت لها الخطط والإستراتيجيات التي تستهدف الارتقاء بالوطن والمواطنين، في جميع مكتسباتها الواعدة، وبما تزخر به من فرص عمل ومجالات مختلفة تفوق حجم المتعطلين من المواطنين بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم التعليمية.

التساؤل الذي يطرح نفسه؛ لماذا لم تحتو تلك القطاعات والمشروعات المختلفة جميع المتعطلين السعوديين بكافة تخصصاتهم وليس بعضها؟! ألا يستحق المواطن الأفضلية في التوظيف وفي مستوى الأجور؟ وألا ينعكس ذلك على أمن وطني واستقرار اجتماعي؟ وهل هناك متابعة لتدفقات الاستقدام المفتوحة لفئات عمرية ومؤهلات يوجد مثلها من المواطنين؟ وهل هناك متابعة وتنفيذ لنسب التوطين المعلنة ما بين الآونة والأخرى؟ وإذا كانت هناك متابعة؛ فكيف تستمر البطالة بهذا المعدل البطيء في الانخفاض؟، علاوة على انخفاض معدل تشغيل المواطن إلى 88.3%، بينما يرتفع لغير المواطن إلى 98.1%؟ رغم ارتفاع معدل توظيف المواطن لم يتعد نسبة مئوية فقط، منذ عام 2017 وحتى الإحصاء الأخير، فبعد أن كان معدل التشغيل 87.2% أصبح 88.3%؟!.

تشير إحصاءات مسح القوى العاملة، إلى أن الفئات العمرية الشابة والواعدة من 15-34 سنة تمثل أعلى نسبة من فئات المتعطلين المواطنين، إذ تسجل الفئة العمرية من 15-19 سنة نسبة 38.4% من البطالة في تلك الفئة، ونسبة 23.6% للفئة العمرية من 20-24 سنة، و21.3% للفئة العمرية 25-29 سنة، و 13.7% للفئة من 30-34 سنة!!! هذه الفئات العمرية تمثل المواطنين الذين لم يكملوا تعليمهم، بينما يمثل النسبة الأكبر منها الفئات التي أكملت تعليمها الجامعي وما زالت تنتظر فرصتها في التوظيف.

وإذ تمثل بطالة البكالوريوس وما يعادلها النسبة الأعلى من المتعطلين السعوديين بنسبة 14.5% من المتعطلين، في حين تمثل تخصصات العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء النسبة الأعلى من البطالة حسب التخصص، والتي سجلت نسبة 19%، ثم الفنون والعلوم الإنسانية بنسبة 17%، ثم تقنية الاتصالات والمعلومات بنسبة 14.7%!!!

تفصيلات بيانات البطالة وإحصاءاتها والتي لا يتسع المجال لذكرها؛ تؤكد أهمية مراجعة جميع سياسات العمل وبرامج التوظيف المطروحة في جميع القطاعات، كما تتطلب ضرورة متابعة تنفيذ سياسات التوطين المعلنة، والحد من الاستقدام في جميع الفئات العمرية الشابة التي تستحوذ على فرص العمل المتاحة، مع غياب نظام عمل وتشريعات تحمي توظيف المواطن، أو تسهم في حفظ مستوى أجور لائق بالمواطن، وبما يواجهه من تكاليف المعيشة التي أصبحت تؤرقه وأسرته.