يرفع الإخوان المسلمون شعار تطبيق الشريعة ويطالبون به أنظمة الحكم، ويتعللون بالآية الكريمة «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» لتكفير الحكومات التي لا تطبق الشريعة.

ومن المعروف أن أغلب المفسرين يذهب إلى أن هذه الآية ومثيلاتها تتعلق بتحريف الدين وكتمان أحكامه أو بإنكار القلب وجحود اللسان لشرائع الدين، كما في تفاسير الطبري والقرطبي والرازي وغيرهم من أئمة التفسير.

ما لا بد من تبيينه هنا هو أن الشريعة هي المنهاج أو الطريق القويم حسب القول الأرجح من كلام العلماء، ولذا ليس مدونة من القوانين والتشريعات.

إن الأمة هي مدار تطبيق الشريعة، وهي قائمة بالضرورة في عبادات الناس ومعاملاتهم، وأغلب أحكام الدين تتعلق إما بأحكام تخص الفرد أو تضبط روابط الناس فيما بينهم. ولذا فالشريعة بهذا المعنى مطبقة راسخة في المجتمع.

ومن الخطأ اختزالها في الأحكام التي تختص بالدولة والحكم التي هي قليلة نادرة، بل إن الإمام الغزالي في المستصفى حصر كل آيات الأحكام في 500 آية منها النزر القليل في شؤون الحكم والدولة.

يلخص المفكر الباكستاني المعروف فضل الرحمن مفهوم الشريعة بقوله:«إنه المنهاج الذي شرعه الله تعالى، المنهاج الذي يجب أن يسلكه الإنسان في حياته ويقودها على وفقه لكي يحقق الإرادة الإلهية»، (كتاب الإسلام ص 176). فأين هذا من مفهوم القانون الإسلامي الضامن للشرعية الدينية للدولة؟

أما الموقف من المجتمعات الحديثة ونعتها بالجاهلية فقد اشتهر عند المودودي وسيد قطب وشقيقه محمد قطب الذي كتب كتاب «جاهلية القرن العشرين»، الذي كان من الكتب المعتمدة في تدريس العلوم الاجتماعية في بلادنا.

في هذا الكتاب يعرّف محمد قطب الجاهلية بأنها ليست مرحلة تاريخية محصورة في المجتمع العربي قبل الإسلام، بل هي «حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله»!

ومن هنا نعت الحداثة بكاملها بأنها حالة جاهلية من تدبير مؤامرات اليهود الثلاثة ماركس وفرويد ودوركايم، بما ينم عن جهل عميق بالفكر الإنساني الحديث... نعم جهل كبير بالفكر الإنساني الحديث، وينتهي محمد قطب إلى القول بتكفير المجتمع المسلم الحديث أي من يسميهم بأتباع الإسلام «التقليدي» المنساقين وراء «الجاهلية» و«اتجاه أعداء دين الله».

وإذا كانت هذه النزعة القطبية تبدو عنيفة وحادة، إلا أنها ترد بطرق أكثر لباقة بالمعنى نفسه في كتابات كل الإسلاميين الذين لا يرون في الحداثة إلا غزوا ثقافيا وتبعية حضارية، ولا يدركون حقيقة أن هناك مشتركا إنسانيا جامعا بين أبناء الحضارة الإنسانية الكونية على اختلاف الاعتقادات والأديان. إن هذه الأفكار السطحية تتعارض مع النزعة الإنسانية القوية في الإسلام، التي تعتبر أن المقاصد العليا في الدين مشتركة بين كل الملل والمعتقدات كما قال الإمام الأصولي الكبير الشاطبي، بل إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حصر رسالة النبوة بإتمام مكارم الأخلاق (كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم وأحمد وجزم الألباني بصحته).

ولقد عبر الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن هذا التصور أروع تعبير بقوله الشهير: «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».