الاحتراق الوظيفي هو حالة من الضغط العصبي المرتبط بالعمل، يسبب نوعا من الإجهاد البدني أو العصبي، والذي يؤدي إلى نقص الإنتاجية. وتبدأ أعراض الاحتراق الوظيفي بالصعوبة في أداء المهام، وعدم الرغبة في الذهاب للعمل، ويصبح الموظف انفعاليا، أو نافد الصبر، أو متهكما ومنتقدا للآخرين. وقد تظهر أعراض طبية، كالصداع وتقلصات المعدة، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والسكري والأرق، واللجوء إلى الكحول والمخدرات.

نشأ مصطلح الاحتراق الوظيفي في سبعينيات القرن الماضي، وفي 2019 أدرجت منظمة الصحة العالية الاحتراق الوظيفي، ضمن التصنيف الدولي للأمراض، إلا أنها أوضحت لاحقا، أنه ظاهرة مهنية وليست حالة طبية. وتأثير الاحتراق الوظيفي في التكاليف الصحية والوفيات، في الولايات المتحدة مكلف جدا، حيث يتم إنفاق ما يقارب 190 مليارا، أي ما يقارب 8% من نفقات الرعاية الصحية الأولية. ويتسبب في 120 ألف حالة وفاة سنويا، ويعاني 615 مليونا في جميع أنحاء العالم من القلق والاكتئاب. وأكثر الفئات عرضة للاحتراق المهني هم الأطباء والممرضات، وتعتبر معدلات الانتحار بين مقدمي الرعاية الصحية أعلى من باقي المهن، حيث تتراوح الزيادة بينهم من 40 إلى 130 %. كما أن معدل الاستقالة والتسرب الوظيفي أعلى بكثير في تلك المؤسسات، التي تعاني من ضعف الأنظمة المعنية برفاهية الموظف. ورغم أن الاحتراق الوظيفي مشكلة حقيقية نعاني من آثارها، إلا أنه من الصعب السيطرة عليه، وذلك لعدم وضوح مفهوم وتعريف المشكلة.

وضعت عالمة النفس الاجتماعي كريستينا ماسلاش، تعريفا لأسباب المشكلة، فهي ترى أن الاحتراق الوظيفي ليس بسبب الموظف، ولكن غالبا بسبب المؤسسة التي يعمل بها. وصنفت ماسلاش أسباب الاحتراق الوظيفي إلى خمسة محاور، وهي المعاملة غير العادلة في العمل، وأعباء العمل الكبيرة، وعدم وضوح مهام العمل، وعدم القدرة على التواصل مع المديرين بشكل جيد، وعدم القدرة على إدارة الوقت. ومن هذا التصنيف يتضح أن الأسباب ليست من الأفراد، وإنما تتحملها المؤسسات والقادة.

التفاؤل والامتنان والأمل، يمكن أن توفر طاقة إيجابية لإنتاجية الموظفين، إلا أنه يجب ألا نعتقد أنه عند الإصابة بالاحتراق الوظيفي، فإن ممارسة الرياضة والتنزه ستعالج تلك الأعراض، والأفضل من ذلك أن يراجع القادة بيئة العمل، ويجعلوها جاذبة ومحفزة وغير محبطة.

يرى فريدريك هيرزبرج عالم النفس الأمريكي، أن العلاقة بين الرضا وعدم الرضا ليست عكسية، أي لا تزيد الأولى على حساب الثانية، وهذا يعني أنه يجب على القادة الاعتراف بكلتا الظاهرتين، والتعامل مع كل واحدة على حدة. إن التحفيز مثل خلق بيئة العمل المثير، وتقدير الإنجازات ومشاركة الموظفين في صنع القرار، وجعلهم جزءا هاما في رؤية ورسالة المنشأة، سيترتب عليه التخفيف من أعراض الاحتراق الوظيفي. ونعود لعالمة علم النفس كريستينا ماسلاش، والتي تصف بعض الأمور الصغيرة، بالعمل مثل حصوات الكلى الدقيقة، والتي لا نراها ولكنها تسبب آلاما مبرحة، وهذه أمور يجب على القادة التنبه لها وإزالتها، والأفضل أخذ مشورة الموظفين في كل ما يسعدهم ويحفزهم.