مقطع فيديو قديم يظهر شابا يمتطي جملا وسط قفار قاحلة وقت الظهيرة، ويسأله أحدهم عن سبب فعله، فيرد قائلا: «بعض الدول عندهم شجرة ويزورها الناس من أنحاء العالم، أما نحن فلدينا متاحف مفتوحة ولا أحد يهتم لها»، وأكمل مشواره على ظهر الجمل قائلا «هذه رحلة لتوثيق الأماكن الأثرية في آبار حمى على ظهور الإبل».

لم «يصب بالحُمى وصار يمشي في هالقوايل بدون ما يحس». هو في الحقيقة مهندس يتكلم قرابة أربع لغات غير العربية، سبق وأن زار دولا لم نسمع عنها من قبل، وأكمل دراسته في الصين التي سجلت 55 موقعا تراثيا على اليونيسكو، وتعلم هناك كيف تسخر دولة كامل إمكانياتها لإدراج موقع لها على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، لعظمة ذلك الحدث وتأثيره في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لديها.

من يعاني الحمى يصيبه الإعياء والخمول ويهتم بكيف يتغذى جيدا ويريح نفسه فقط، وهذا ما كان عليه حال جهاتنا الثقافية خصوصا «أيام الصحوة»، إذ يمكن تعطيل مشروع جبار يمثل فتحا جديدا للثقافة التراثية، بسبب أن تلك الصخور والمجسمات التي تزينها النقوش قد تحسب «أصناما أو أوثانا تعبد من دون الله»، فالأولى بها أن تهدم وتطمس، وهذا ما جعل التعليم لدينا يتجاهل الكم والمخزون التراثي، حتى خرج في تلك الحقبة جيل لا يعرف ما فائدة الثقافة من أصلها.

فقد يزور أحدهم مكانا مؤهلا ليكون تراثا عالميا فقط لـ«يكشت على تيس مشوي» وينهي حفلة الشواء بتشويه تلك النقوشات والمنحوتات الضاربة بعمق جذورها في آلاف السنين، ببخاخ أحمر يعبر به عن مشاعره لمحبوبته بقلب يخترقه سهم ويكملها بـ«الحب عذاب».

بل حتى إن بعض مراسلي الصحافة والإعلام المرئي، بل ومعدي الأفلام الوثائقية يعانون من ضعف معرفة ماهية هذه الأماكن، إذ يقول أحد محرري الصحف إنه حينما يرسل المراسلين لديه لتغطية الأماكن الأثرية يعودون بصور ومجموعة كلمات عن مبان طينية مبعثرة لا يتجاوز عمرها عشرات السنين.

وحتى لا نذهب بعيدا فإن قست هذا الأمر على نفسي لوجدت أنني على قدرة أن أتحدث وأتفزلك عن طبيعة الألوان التي نقشت بها زخارف تاج محل في الهند، وعن طبيعة بناء القلاع في جمهورية إيرلندا، وكم عامل شرب عصيرا أثناء شق قناة بنما و.... و....، لأنني زرتها جميعا، بينما هذه الآبار لا تبعد عن بيتي أكثر من نصف ساعة، ولا أعرف عنها إلا كما تعرف جدتي عن سيارة «تيسلا».

أما هذا المكان الذي ظهر به من يمتطي الجمل فهو ما ظهر في تغريدة لوزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان ، زف خلالها البشرى بأنه تم إدراج آبار حمى التاريخية الواقعة بمحافظة ثار بمنطقة نجران على قائمة التراث العالمي في اليونيسكو، كأحد أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم بمساحة 557 كم2، ويضم 550 لوحة بها مئات الآلاف من النقوش، وهو سادس موقع من المملكة يسجل، بل وهناك خطة طموحة لتحقيق رؤية 2030 بتسجيل موقع كل 5 أعوام. فمع الرؤية من سمو ولي العهد الشاب ووزير الثقافة الشاب وشباب هيئة التراث، فعن الثقافة والتراث قد «زالت الحُمى يا آبار حمى».