في كل موسم حج جديد تخرج تقارير إعلامية تتحدث عن مداخيل تتحصل عليها المملكة من مواسم الحج ومن الحجيج. والعجيب في الأمر أن هذه التقارير وربما الأرقام تتكرر في كل عام، وبعض الأحيان تعاد كتابتها في مواسم العمرة المزدحمة في رمضان !!.

لن أتكلم عن عدم صلاحية هذه التقارير وعدم حياديتها؛ لأنها ببساطة؛ لا تتناول النفقات والمصاريف التي تصرف على بنود الحج ومشاريعه وبرامجه مثلما تتحدث عن إيراداته. وأنا لا ألومهم طبعًا، لأن بعض الصحفيين يبحثون بشكل سريع ليكتبوا كذلك بشكل سريع. اللوم إن كان هناك لوم، يقع على الجهات الحكومية المسؤولة عن الحج وعن مصاريفه وموازناته، وبالطبع يقع أولاً على وزارة الحج والعمرة وعلى وزارة المالية. وزارة الحج لأنها هي المظلة الكبرى لهذا الملف، ووزارة المالية لأنها هي الخزينة الرئيسية التي تصرف منها الأموال.

دعوني بعجالة أحدثكم عن الركائز لأية ميزانية حكومية. ميزانية الجهة الحكومية تقوم على أربعة: الأولى؛ المبالغ التي تختص بتعويضات العاملين فيها. الثانية؛ المبالغ التي تتعلق بالسلع والخدمات التي تستخدمها الجهة في تشغيل عملياتها. الثالثة؛ المبالغ المتعلقة ببرامج الصيانة والنظافة والتقنيات والحاسب الآلي وخلافه. الرابعة؛ المبالغ المرصودة للمشاريع الرأسمالية المستمرة والجديدة.

للأمانة؛ بحثت بشكل مكثف وفي مواقع حكومية متعددة لأعرف ولو بشكل تقريبي عن ما يتم صرفه على الحج وعلى الحجيج، ولم أتمكن من الوصول إلى رقم محدد. بحثت؛ لأني مهتم في الميزانيات الحكومية وأعمل في هذا الحقل، وأبحث فيه بشكل دائم. وكذلك لأني أدرك أن معرفة الميزانية تعطيك دائمًا التصور البانورامي عن الوضع الحالي والمستقبلي للجهة أو لأي أمر ترغب معرفة التوجهات حوله.

بحثت، لأكتب هذه المقالة، والتي أرغب بتوجيهها للأشخاص العاديين الذين ينجرّون مع كل قراءة سريعة لأية موضوع ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث في الدهاليز والخوافي الداخلية.

الآن عزيزي القارئ، ومع عدم تمكنك مثلي من معرفة الرقم الصحيح، ولكنك بفهمك وتصورك، بدأت تدرك مثلي حجم التعويضات والمكافآت التي تقدمها كل جهة لأي موظف فيها يعمل في موسم الحج، وكذلك تتوقع حجم الصرف على السلع والخدمات، وعلى برامج الصيانة والنظافة والحاسب الآلي في الموسم، ناهيك عن حجم تكلفة مشاريع الحج الضخمة جدًا في جميع السنوات الماضية والسنوات المقبلة.

وبالتالي فإنك الآن تستطيع أن تتخيل حجم المبالغ التي يتم صرفها بسخاء على الحج وعلى ضيوف بيت الله، وكذلك تدرك عدم صدقية فكرة التكسب من هذا المشعر الديني الذي نسأل الله أن يجعله في موازين هذه البلاد قادةً وحكومةً وشعبًا.

بصراحة، أعتقد أننا أمام ضرورة ملحة لحوكمة موازنات وميزانيات الحج، ووضعها في تقارير سنوية على موقع الوزارة، أو موقع وزارة المالية، او موقع إمارة مكة، أو أن تفتح لها منصة جديدة، أسوة بمنصة المساعدات السعودية. أما ما يتعلق بكيفية جمع هذه المصروفات، فأعتقد أن تكوين لجنة تابعة لأمير مكة أو وزير الحج وعضوية كل وزارة وجهة تعمل بالحج؛ كفيل بضبط أرقام المصروفات بعد كل موسم وبشكل دقيق.

فعليًّا، أتمنى بصدق أن أعرف كم صرفت المملكة على موسم الحج هذا العام، وأعرف أنك أيضًا ترغب بمعرفة الرقم وأوجه صرفه على ستين ألف حاج.