ربما آن الأوان لساعة الصفر بتوقيت تونس هذه المرة، وذلك عندما لامست عقارب أحلام التونسيين الرقم ثمانين في دستورهم الذي ارتضوه ضامناً لحقوقهم.

فتونس المتأرجحة دستورياً بين أقطابها الثلاثة، والرابضة بشللٍ فوق فوهة جائحةٍ لم يكن بالإمكان لجم شراستها، والمثقلة بأحمالٍ وتبعاتٍ معيشية واقتصادية لا يراها جيداً الا التونسيون أنفسهم، ما عادت ترضى بغير تفعيل رغبتها وتعديل بوصلتها وذلك باستكمال ثورتها، فتونس الكيان والوطن والأمن في خطر داهم، ودواليب الدولة تتسمر في قعر حالة استثنائية تستلزم جملة عريضة من الإجراءات والتدابير، وهنا تبدّى القرار المناسب وفي الوقت المناسب.

قد يرى البعض قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد كفرملةٍ سياسية مفاجئة، تتجنبها قوانين الحركة ومخاوف الاحتكاك، وقد يحسبها المحللون جرأة تطاول السقف وتستصعب الوصف، فقد أعفى رئيس الحكومة من منصبه، وجمّد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وتولّى بنفسه رئاسة السلطة التنفيذية، وكل ذلك بوثبة واحدة وفي وقت واحد، وهنا لا بدّ أن نسأل جيداً ونتفكّر ملياً، ألم تكن تلك القرارات المتخذة رئاسياً نقلاً صادقاً ومباشراً وعاجلاً لمطالب الشارع التونسي المتأجج؟ وألم يقابل ذلك الشارع العريض تلك الإجراءات بالرضا والغبطة والترحيب؟.

ثم هل تجاوز الرئيس التونسي المحاط بقياداته الأمنية حينئذ الدستور التونسي في حرف واحد من حروفه! فجميع ما ذكره وقرره قد كان تحت طاعة ومظلة الدستور نصاً وروحاً، وخير شاهد على ذلك تجميد البرلمان التونسي وليس حلّه وتسريحه، وربما من المستغرب وصف البعض للرئيس التونسي «بالانقلابي» ولا ندري هل انقلب برأيهم على نفسه لتولي السلطة بنفسه بعد نفسه!.

ثم ما المعيب برفع الحصانات ومساءلة المقصّرين وضرب بؤر الفساد والمفسدين؟ اليس ذلك قاسماً مشتركاً يُجمع عليه الوجدان التونسي بلا هوادة؟!.

وما المشكلة وما الذنب بتحريك ملفات الجرائم التي ترتكب في حق تونس والتي طال إخفاؤها في دهاليز وزارة العدل التونسية؟! وهل يُلام رأس السلطة في تونس إن انتفض وهو يرى تهاوي المرافق العمومية واندلاع عمليات الفوضى والحرق والنهب وصبّ البعض لوقود التناحر والاقتتال الداخلي؟!. وهل تحذير الرئيس سعيّد لبعض الماكرين والمارقين ممن حمل السلاح وتطاول على مؤسسات الدولة ورموزها مسألة تحتمل الشكّ وفيها وجهة نظر؟!.

أم أن البديل المحتمل قد يتلذذ به البعض إن كان بلونٍ ليبيّ أو بطعم لبناني أو حتى برائحة عراقية أو يمنية؟!. تقف تونس الخضراء على مفترق مفصلي من الطرق، وقد قال التونسيون الأحرار كلمتهم ولا يزالون.

وقد أحسن الرئيس قيس سعيّد عندما همّ بالمبادرة وأمسك لجام الموقف والمرحلة باقتدار، وانتصر حماة تونس لشعبهم ودولتهم ورئيسهم المنتخب.

وكما علمنا البوعزيزي درساً، فالرئيس سعيّد سيفتح صفحة وسيطوي أخرى، ولتتذكر تونس ما قيل في وصفها....«قسماً بسحر عيونك الخضر...يا أجمل الألوان في عمري».