والناس في الحج، وسط مناسكهم، يأتي المغرض، ويحاول التقليل من شأن تنظيم شعيرة الحج، ويزيد في عيار الحقد، ويدلل عليه بالنصوص التي يحاول عبثا أن تدعم هوايته، فيقول قال، صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن تمنعوا»، وأنه رأى المنع بأم عينيه..

دون شك، هناك فرق كبير بين المنع والتنظيم، ولا يخطئ أحد منا أن الذي حصل العام الماضي، وهذا العام، هو من باب التنظيم المحض، ومؤيد من قبل من نور الله بصائرهم، من أهل العلم الشرعي، وأهل الطب، وغيرهم؛ وفي مقالي لن أزيد على ما قاله غيري؛ فقرار التنظيم قرار سليم، راعى عدم تعطيل الفريضة، والحرص على سلامة حجاج بيت الله الحرام، باعتبار أن حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وعكس وعي وحكمة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في خدمة ضيوف الرحمن، والتيسير عليهم، والحفاظ على سلامتهم والعمل على حمايتهم..

هنا سأتطرق للقول الذي يحاول البعض الاستدلال به في دعوى «المنع»، لأقول وبكل تجرد، ومن صميم التخصص، إن لفط «المنع» دخيل على النص، وأن الذي روي مرفوعاً من حديث سيدنا علي، رضي الله عنه، لفظه: «حجوا قبل ألا تحجوا، فكأني أنظر إلى حبشي أصمع أفدع بيده معول يهدمها حجراً حجراً»، رواه الإمام البيهقي، وأن الإمامين البيهقي والدارقطني رويا من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «حجوا قبل ألا تحجوا؛ يقعد أعرابها على أذناب أوديتها فلا يصل إلى الحج أحد»، والروايتان لم يرتض ثبوتهما المتخصصون، وخبراء علم الحديث، وعلم مصطلح الحديث، ورجاله.

الثابت الصحيح، في موضوع النصوص المتقدمة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين، ويرفع في الثالثة»، رواه الأئمة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والحافظ العراقي وغيره، وعن سيدنا عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، وفي رواية أخرى: «من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة»، رواه الإمام أحمد، ومنه يفهم ضرورة أن يبذل كل مستطيع جهده في اغتنام فرصة الحج، والفوز بالثواب العظيم قبل أن يفوت؛ لأنه فائت بالرفع، وبما لا يمكن التنبوء به..

كون الحج الحالي والسابق استدعيا تنظيما معينا، وكون ما سبقهما استدعى ضبطا معينا؛ فليس في ذلك أي بأس، ومن أراد الحج، ورغب فيه، وتمناه صادقا، وعجز عنه، فإن الله لواسع فضله ورحمته لن يحرمه من الأجر، ببشارة نبوية، رواها سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر»، رواه الإمام البخاري، وفي رواية الإمام مسلم عن سيدنا جابر بن عبدالله، أنه قال: «كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فقال: إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض»، وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر».