أضحى البحث العلمي الركيزة الجوهرية للاستقامة، والمحافظة على الحركة في الاتجاه الصحيح، إذ إنه عملية مستمرة يستطيع المجتمع من خلاله أن يحافظ على اتجاه تطوره في المستقبل، وتحقيق التطلعات والرؤى، بما يحقق الأهداف الطموح، وذلك من خلال إجراء التغييرات التي تتلاءم مع التحولات السريعة في البيئتين الداخلية والخارجية له، ويتعاظم هذا التغيير في ظل زيادة وتيرة الأزمات والكوارث، وما يحدث حاليا من أزمة جائحة «كورونا» في عالمنا العربي والعالمي لخير دليل.

كما تتسارع التحديات في مؤسسات التعليم العالي، وأبرزها التحديات الطارئة مثل نقص الدعم المالي، والتقدم التقني السريع، ونوعية البرامج الأكاديمية المقدمة، ولذلك اتجهت أخيرا العديد من الجامعات العربية لتعظيم البحث العلمي.

عند رؤية فاحصة ودقيقة، ومقارنة معمقة وشاملة لواقع البحث العلمي في الجامعات العربية بالسنوات الأخيرة، نجد أن الجامعات السعودية ومراكزها البحثية حققت الريادة البحثية، وتمركزت في صدارة الجامعات العربية في العديد من المؤشرات، لتحقق تقدما ملحوظا عربيا، يجعل من رؤيتها في هذا الجانب نموذجا عربيا يحتذى به من قِبل الجامعات العربية، وصولا لتحقيق التنافسية والصدارة العالمية.

وعبر نظرة فاحصة لتطورات واقع البحث العلمي في الجامعات السعودية للسنوات الأخيرة، نجد ارتفاع مستوى النشر في البحث العلمي بنسبة وصلت إلى 120% أخيرا عن مثيلاتها من السنوات السابقة.

كما حققت المركز الأول عربيا في جهود الجامعات لنشر أبحاث «كورونا»، وذلك وفقًا لقاعدة بيانات شبكة العلوم Web of Science. كما ارتفعت براءات الاختراع المسجلة والممنوحة محليا ودوليا لمنتسبي الجامعات السعودية. كما حققت حديثا المركز الأول عربيا والسابع عالميا في التصنيف العالمي لريادة الأعمال.

كما نجد من خلال التصنيفات العالمية المقدمة من الجهات الدولية تحقيق المركز الأول في أغلب المؤشرات والمعايير مقارنة بالجامعات العربية الأخرى، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة تعاظم تمركز أكثر من جامعة سعودية كأفضل الجامعات العربية لجودة البحث العلمي.

إن الصورة المشرقة التي تقدمها الجامعات السعودية لهي نافذة الأمل وبوابة التغيير نحو الأفضل، وصولا للمنافسة العالمية على الريادة والابتكار، وتعظيم المنفعة من البحث العلمي. كما يتعاظم دور المؤسسات العلمية السعودية والجهات المعنية والفاعلة، للارتقاء أكثر فأكثر بمجالات البحث العلمي والتطوير والابتكار في العلوم المختلفة، بما يحقق دعم الاقتصاد الوطني، ومواكبة متغيرات العصر ومستجداته، الأمر الذي يتطلب دعم الجامعات ومراكز الأبحاث الموجودة فيها بالموارد المالية اللازمة، وأدوات البحث العملي الفاعلة، وتطوير جهود الباحثين، وتعظيم الاستثمار بالموارد البشرية، بالإضافة إلى التحول من منهجية وأسلوب التعليم التلقيني إلى الأسلوب البحثي، الذي يعتمد على البحث عن المعلومة، وصولا إلى تحليل نواتج ومخرجات التعلم.

ومع هذه الرؤية المشرقة يأتي النموذج السعودي لتعظيم البحث العلمي كمصدر نور وأمل للجامعات العربية كافة، للاستفادة من هذه التجربة، من خلال النظرة الشاملة، والرؤية الإستراتيجية، والعمل الموجه وفق الإمكانات المتاحة، من خلال منظومة تحليل الوضع الحالي لكل جامعة، ليسهم كل ذلك في تحسين الكفاءة الداخلية للجامعة، وتحقيق جودة مخرجاتها، وبناء بيئة جاذبة للكفاءات المتميزة، وتحقيق متطلبات التقويم والاعتماد الأكاديمي على المستويين المحلي والعالمي، وتعزيز الشراكة بين الجامعات وقطاعات المجتمع المختلفة.

انطلاقا من ذلك، يجب أن تتبنى الجامعات العربية مشروع التخطيط الإستراتيجي الممنهج لتطوير البحث العلمي، لترسم من خلاله خارطة طريقها المستقبلي، بما يحقق أهداف الريادة المحلية والعالمية للعملية التعليمية والبحث العلمي، وخدمة المجتمع بالشكل الذي يجعلها في طليعة الجامعات العالمية المتميزة، عبر منهجية متكاملة تؤسس للتأقلم مع البيئة الداخلية والخارجية وفق معايير التميز والمنافسة والجودة، كأحد أهم المطالب للمرحلة الحالية والقادمة، لتقف الجامعات ومراكز الأبحاث العربية مع كل القطاعات على رؤية عمل مشتركة، تؤسس للصمود والتحدي والبقاء والمنافسة.