قرابة العامين على ظهور فيروس كورونا في العالم، وما زالت تداعياته تلقي بظلالها على الكوكب الأرضي، فضلًا عما أحدثه من تأثيرات اجتماعية وصحية واقتصادية على مستوى العالم.

وفيما يواصل العالم إجراءات التحصين، يبقى هدفه الأول تحقيق ما يُطلق عليه «مناعة القطيع»، في سبيل السعي للعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن يواجه هذا الهدف تحديات كبيرة، ومفاهيم مغلوطة من شأنها تأخير تحقيقه، أو إعاقة الجهود الحالية، وبعضها قد تؤدي إلى كارثة.

مفاهيم خاطئة

روّج بعض المسؤولين من دول العالم لمفهوم «مناعة القطيع» بشكل غير دقيق، بهدف الدعاية لعودة ممارسة الحياة الطبيعية وتحريك الاقتصاد مجددًا، من خلال الترويج بأن الأدوات المتوفرة لدينا حاليًا كافية للقضاء على الفيروس، وهو ما خلق فكرة خاطئة مفادها «أننا سنصل إلى مرحلة يتم فيها القضاء على هذا الفيروس» مما كان له الأثر السلبي على صعيد الثقة في اللقاحات.

وعلى العكس من ذلك فإن فكرة عدم القدرة على الوصول لمناعة القطيع، تجعل متبنيها يرون أن القيود والإجراءات المستمرة قد توصلهم إلى المناعة المجتمعية، ولكن هذا الاعتقاد يعرض حياة الناس للخطر من عدة جهات بما في ذلك التعليم والعمل.

فيروس استثنائي

مناعة القطيع تعني إحداث انقطاع مطلق في سلسلة الفيروس بين السكان في غياب التدخلات الأخرى التي يمكن أن تعيق انتقاله أيضًا كارتداء الكمامة، وبهذا نصل لحالة تكون فيها المناعة السكانية بصورة واسعة، لا عدم انتقال الفيروس بشكل مستمر إلى الآخرين؛ لأنهم طوروا مناعة ضد الإصابة أو على الأقل طوروا مناعة إلى الحد الذي حتى ولو أصيبوا سيكونون قادرين على التخلص من الفيروس بسرعة كبيرة ولن ينقلوه إلى الآخرين.

ومما أحدث ارتباكًا في الوصول إلى مناعة القطيع تطور الفيروس والطفرات التي أحدثها والذي يعد متحور «دلتا» أكثرها رواجًا في العالم حاليًا؛ نظرًا لسرعة انتشاره أكثر بمرتين من غيره، إضافة إلى أن الفيروس أظهر قدرة على حدوث طفرات تجعله مقاومًا لنشاط الأجسام المضادة الناجم عن العدوى السابقة من الفيروس الأول.

وفي السياق ذاته، فإن التوزيع غير العادل للقاحات المضادة لكورونا على جميع أنحاء العالم قد تحد من الوصول لـ«مناعة القطيع»؛ لعدم قدرة أي دولة على إغلاق حدودها بشكل دائم، وهذا يعني وجوب إعطاء اللقاح لأكبر قدر من أفراد العالم، ففي الوقت الحالي تم تطعيم 1% فقط من سكان البلدان منخفضة الدخل و 27% من سكان العالم.

الحل الوحيد

للوصول إلى «مناعة القطيع» من فيروس كورونا تمهيدًا لعودة الحياة إلى طبيعتها، لابد من التعايش مع الفيروس وإعطاء اللقاحات المضادة لغالبية أفراد المجتمع وخصوصًا البالغين ممن يعانون من أمراض مزمنة ومن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا في أسرع وقت ممكن.

وفيروس كورونا يتسم بسرعة انتشاره، وما أحدث قلقًا عالميًا متحور «دلتا» الذي ظهر في الهند أولًا؛ نظرًا لأن سرعة انتشاره أكثر بكثير من المتغيرات الأخرى فكل شخص مصاب به قد يصيب قرابة ستة أشخاص بدلًا من ثلاث في الفيروس الأصلي. وبهذا ومع متحور «دلتا» نحتاج إلى تطعيم 84% من سكان العالم على الأقل بإحدى لقاحات كورونا المعتمدة.