في وقت أكدت دراسات علمية أن 85 % من نجاح الإنسان في حياته الوظيفية والخاصة يعزا إلى مهاراته في التواصل الإنساني، صنفت القدرة على التواصل مع الآخرين كإحدى سبع مهارات رئيسة في قائمة مهارات القرن الـ21، ومن ضمن مهارة القدرة الاتصالية باقة من المهارات الفرعية كالحوار، والإقناع، والتفاوض وغيرها، وبقيت مهارة الخطابة في مقدمة المهارات الفرعية لهذه الباقة، على الرغم من توقع كثيرين أن الاهتمام بها انحسر كثيرا، بعد ما كانت نشاطا إنسانيا قديما بالغ الأهمية.

واستخدمت الخطابة منذ القدم كفن يركز على أساليب الإقناع والاستمالة مع اختلاف طرق تطويرها ووسائل تنميتها.

ويقول أحمد عبدالله العسيري، وهو أحد أعضاء نادي الخطابة «التوستماسترز» إن «الخطابة فن أدبي قديم، قد يكون فطريا، وقد يكون مكتسبا مع التدريب والخبرة والدراية بفنون القول وهي عدة ضروب وألوان».

ويضيف «وجدت الخطابة منذ القدم ولو بمفهوم بسيط، وكان الأنبياء والرسل أكثر من اعتمدها في دعواتهم، حتى أن نبي الله موسى، عليه السلام، طلب الاستعانة بأخيه هارون لأنه أفصح منه لسانا، وقد اهتمت بها كل الحضارات القديمة منذ الإغريق والفراعنة، وكان أهم من درسها أرسطو، وقسمها الإغريق إلى 3 أقسام، قضائية واستشارية واستدلالية، كما تحسنت في عهد الرومان، واهتم بها العرب في الجاهلية، واستخدموا فيها السجع، ووظفوها للمفاخرة والاستعراض والتحفيز، وكانت الخطابة لديهم فطرية يستخدمونها في مجادلاتهم وحواراتهم الشديدة، وحتى في حروبهم، ولعل أشهرها خطبة قس بن ساعدة».

أول خطب الإسلام

قال العسيري «استخدم رسول الله، عليه الصلاة والسلام، الخطبة في دعوته إلى الإسلام، وفي مختلف المناسبات الدينية، وباتت جزءاً من العبادة، واستمرت الخطابة حتى يومنا هذا، ووجدت بعض الفوارق من حيث الاهتمام بها قديماً وحديثاً، ففي الجاهلية كانت تستخدم لتوجيه المعلومات إلى الناس وتشجيعهم وإقناعهم على تفضيل أشياء على أشياء، وكان لا بد أن يلبس الخطيب عمامته ويركب جواده أو يصعد إلى مكان عال ليراه الجميع، وكانت الخطبة الوسيلة الوحيدة للإعلان عن حالات الحرب أو السلم أو المشاركة والتعاون مع قبيلة أخرى، ثم ضعفت الخطابة في العصر العباسي، حيث اقتصرت على الجوامع والبيع».

وبين أن «الخطابة حاليا باتت تحظى بمحافل تقا بتنوع جميل واهتمام مميز، وتعقد لها دورات التدريب، ويلتحق الشباب والفتيات بأندية تطور ملكاتهم فيها، مثل أندية الحي ولجان التنمية الاجتماعية والنادي العالمي المسمى (التوستماسترز)».

مهارة أساسية

شدد مدرب فن الإلقاء والخطابة الدكتور يوسف بن صالح الهقاص على أن الدراسات العلمية تؤكد أن 85 % من نجاح الإنسان في حياته الوظيفية والخاصة يعزا إلى مهارات التواصل الإنساني، وقال «الخطابة في عصرنا هذا تأخذ صورا عدة، منها الصورة التقليدية، بجانب الحديث الجماهيري، وبخاصة في مجال speaking Public، كما أن العروض التقديمية Presentation تلقى رواجا وبخاصة في مجال التعليم والتدريب وقطاع الأعمال».

وأضاف «على الرغم من اختلاف أغراض الخطابة قديما وحديثا إلا أن الإلقاء الخطابي ما زال محتفظا بجوهره، على أن بعض مظاهر التحسين النسبي أصابته كاستخدام تقنيات العرض وبخاصة الإلكترونية منها».

وتابع «الموهوبون في هذا الفن لا يتجاوزون 3 % من البشر وفق الدراسات. مما يعني أن السواد الأعظم من الناس يمكنهم اكتساب مهارة الإلقاء إذا توفرت الظروف المناسبة».

وواصل «التدريب الجيد يلعب دورا رائدا في تطوير مهارة الخطابة، وعلى الرغم من أهمية تلقي التدريب المباشر من خبير في هذا المجال فإن ذلك غير كاف، فهذا النوع من التدريب الرسمي training Formal يسهم في تمهير المتدرب بنسبة إتقان لا تتجاوز 10 %، وعليه فلا بد من خضوع المتدرب إلى فرص تدريبية أخرى ليتمكن من خلالها من استكمال بناء المهارة».

وأهم فرص التدريب بحسب الهقاص هي «الممارسة الفعلية للخطابة ولو أمام المرآة، إضافة إلى طلب تقييم المهتمين وأهل الاختصاص للأداء، بما يرفع نسبة الإتقان بمقدار 90 %، وهذا ما يعرف بالتدريب غير الرسمي».

وأضاف «ينبغي أن يشتمل التدريب على عناصر الأداء الخطابي جميعها وبالوزن النسبي المقبول، إذ إن التركيز على ما يقول الخطيب (المادة العلمية) لا يؤثر في الجمهور الا بنسبة 7 % في حين أن التأثير الأكبر 93 % يتعلق بكيف يقول الخطيب (الأداء)، وذلك وفق الدراسات العلمية، كما تلعب لغة الجسد دور البطولة في الأداء الخطابي بنسبة 55% بل إن الانطباع الأولي الذي يشكله الجمهورعن الخطيب يتم عن طريق لغة جسده، الأمر الذي يحتم أخذه في عين اعتبار التدريب على الخطابة، ويشمل ذلك هيئة الخطيب، طريقة وقوفه، تواصله البصري، تعبيرات وجهه وإشاراته».

تجارب الخطباء

يقول تركي البدراني عضو (التوستماستر) المتخصص في تنمية مواهب الخطباء «عندما وجدت إيماناً في داخلي يبحث عما يجعله يصعد في سلم المجد، بحثت ملياً عن كل البيئات الداعمة لتحقيق ذلك، وحينما اهتديت لبيئة التوستماسترز أيقنت أنها البيئة القادرة على صقل ما في داخلي ليتجلى في فضاء رحيب رغبت أن أجد نفسي فيه يوما من الأيام، فتجربة التوستماسترز التي تعد من أنجح التجارب في صقل القدرات وحفز المهارات لاكتساب أهم مهارات القرن الـ21، التواصل الفعال والقيادة المؤثرة، وهما مهارتان يستهدفهما البرنامج التعليمي بطريقة إبداعية من خلال الممارسة المتعلمة بشكل ديناميكي».

ويقول محمد الحوتي أحد رؤساء (التوستماسترز) تمكنت من تنمية موهبة الخطابة من بداية عام 2015 مع أندية (التوستماسترز) العالمية وهي متميزة في تطوير مهارات التواصل والقيادة ويندرج تحت التواصل الخطابة ومنها تقديم مشاريع للخطب بأنواعها الارتجالية والمعدة، وتعلم طرق بناء الخطبة بداية من المقدمة والموضوع حتى الخاتمة مع وجود رسالة وتعزيز هذه الرسالة، وهناك خطب تستهدف لغة الجسد وبعضها تستهدف نبرة الصوت ارتفاعا وانخفاضا بما يتماشى مع محتوى الخطبة أو الرسالة التي يود الخطيب إرسالها للمتلقي، ولتطوير هذه الموهبة وهذا الفن يجب العمل والتدريب في بيئة إيجابية بشكل مباشر على التطبيق أمام الجمهور».

7 مهارات رئيسة في القرن 21

- التواصل الإنساني

- التفكير النقدي وحل المشكلات

- الإبداع والابتكار

- التفاهم الثقافي المتبادل

- الاتصالات والمعلومات والتثقيف الإعلامي

- الحوسبة ومحو أمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

- مهنة وتعلم الاعتماد على الذات