بينما تستميت ميليشيا خامنئي على الضفة الشرقية للخليج العربي في سحقها الذي لا يرحم للمتظاهرين السلميين في الأحواز العربية المحتلة، تقود إلهان عمر (الأمريكية من أصل صومالي) عضو الكونجرس الأمريكي حملات ضغط من نوع خاص، تصب في صالح الكيان الإيراني وأنشطته العدائية في المنطقة بوجه عام، واليمن على وجه الخصوص.

يأتي هذا وسط علامات استفهام كبرى إزاء موقف تيار غربي طالما رفع شعارات حقوق الإنسان، لكنه آثر الصمت إزاء تجربة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي يجب أن تتوقف أمامها طويلًا روايات الكوميديا الهزلية، فضلًا عن صمت مستمر تجاه تردي الأوضاع المعيشية، وانهيار المنظومة الاقتصادية، وقمع الاحتجاجات، وتفشي الفساد حتى بلغت ثروة خامنئي وحده 200 مليار دولار وفق تقارير أمريكية.

هذه النوعية من الحملات لا يمكن اعتبارها أمرًا لافتًا، وتضعها القوى التقليدية في المنطقة وعلى رأسها السعودية في حجمها الطبيعي، باعتبارها صادرة عن شخصيات وكيانات مهزوزة سياسيًا، ومكشوفة الانتماءات والتحركات داخل الولايات المتحدة، حتى إن علا صوتها، ونقلت وسائل إعلام صداها إلى الداخل والخارج.

وجه اللوبي الإيراني

لعل المتابع غير المتخصص، يطرح أسئلة تبدو منطقية..

لماذا لم ترَ إلهان عمر وأخواتها ما يجري في الأحواز ولبنان والعراق؟، ولماذا يصطفون مع ميليشيا انقلابية في وجه حكومة شرعية يمنية تبحث عن استعادة سيطرتها على كامل تراب الدولة؟ ولماذا يتم إقحام السعودية في تلك الحملات مع التعامي عن دور إيران المتورط الرئيس فيما يجري باليمن؟.

الإجابة باختصار، وقبل التفصيل تقول إن لإيران لوبي سياسي ضخم يعمل لصالح تأمين مصالح طهران، ونجح بالفعل في عدة وقائع فارقة، آخرها الملف النووي الإيراني وتوقيع اتفاق معيب في أبريل 2015، ويمارس هذا اللوبي عادته حاليًا من أجل «عودة مثلى» لهذا الاتفاق بعد أن قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب إلغاءه في مايو 2018.

قد يجادل البعض قائلًا: كيف يمكن أن يكون لإيران لوبي في الولايات المتحدة رغم هذه الحرب الباردة التي نراها منذ سنوات؟!، لا سيما أن طهران بلا سفارة في واشنطن، ولا تمتلك علاقات دبلوماسية رسمية معها، وهي مشبوهة سياسيًا في الداخل الأمريكي.

لكن الواقع هو ما يجزم بأن لإيران لوبي في الولايات المتحدة، ويعزز ذلك شهادات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم، ففي عام 2017 أقر رئيس المخابرات الإيرانية محمود علوي، وتفاخر بأن طهران تدير مجموعة ضغط في واشنطن تروج لأجندة الملالي، وقبله في عام 2013 سُئل مهدي حسيني، رئيس لجنة إعادة هيكلة عقود النفط الإيرانية، عما إذا كانت هناك كيانات غربية تضغط على حكوماتها نيابة عن إيران، أجاب: «نعم.. لقد فعلوا هذا.. هذه الجهود تساعدنا ويجب أن نستغل هذه الفرص».

تحركات أعضاء بالكونجرس الأمريكي إزاء دعم المصالح الإيرانية، أثارت شكوك الأوساط السياسية والأمنية داخل الولايات المتحدة، حيث بلغت تلك التحركات حدّ مطالبة أعضاء بالكونجرس من بينهم «إلهان عمر»، رفع العقوبات المفروضة على الكيان الإيراني والميليشيات التي يديرها مباشرة رغم تورطها في عمليات إرهابية استهدفت المصالح الأمريكية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

إستراتيجية ضغط

ذكرت تقارير أمريكية أن تلك التحركات لم تكن سوى حلقة من إستراتيجية ضغط داخلية يقودها ما يسمى بالمجلس الوطني الإيراني الأمريكي «NIAC»، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تعمل مع إيران تحت غطاء تبادل الثقافات والتراث بين الشعبين الإيراني والأمريكي، لكنها لعبت دورًا فعّالا في الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، عبر تلميع صورة نظام الملالي في الغرب، فضلا عن إحباط كثير من القرارات الدولية ضده.

وتبرز أهم نقاط القوة لدى هذا اللوبي الذي يضم علانية أعضاء في الكونجرس من بينهم إلهان عمر ورشيدة طليب، هيمنته على عدة مجموعات ومنظمات تنشط تحت غطاء «حقوق الإنسان»، ومجموعات مناهضة الحرب والتيارات التي تطالب بالتسوية مع إيران تحت شعار السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

علامات استفهام

ثمة مفارقة أخرى تزيد من علامات الاستفهام، تتعلق بتحالف «NIAC» مع مجاميع اليسار الأمريكي لتأمين المصالح الإيرانية، ورغم ما تعلنه هذه المجاميع من مبادئ تتعارض مع الراديكالية والأنظمة ذات المرجعية الدينية، فإنها لا تجد حرجًا في التعاون مع «NIAC» بداعي مناهضة الحرب، وهو ما تعتمد عليه إيران بصورة مباشرة في الضغط على الإدارات الأمريكية، الأمر الذي دفع حسن روحاني في إحدى زياراته إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التأكيد على دعم هذا اللوبي بكل الإمكانيات.

بالمقابل، دعا أعضاء بمجلس الشيوخ وهم (تيد كروز، توم كوتون، ومايك براون) وزارة العدل الأمريكية إلى فتح تحقيق في أعمال «NIAC»، بداعي أنها مجموعة ضغط تتصرف كـ«وكيل أجنبي» رغم أنها تُعرف نفسها بـ«منظمة غير حزبية وغير ربحية تعمل على تعزيز مصالح المجتمع الإيراني الأمريكي».

مراجعة المواقف

تكشف مراجعة المواقف السياسية لـ«NIAC» التي تتولى «إلهان عمر» جانبًا منها، انتهاج إستراتيجية تقوم على إلقاء اللوم على منظومة العقوبات الأمريكية باعتبارها مسؤولة عن الفقر والمعاناة الشعبية الإيرانية، من دون توجيه الأنظار إلى النظام الإيراني الذي ينفق ما يقرب من 7 مليارات دولار سنويًا على إرهابي الحرس الثوري، فضلًا عن مليارات أخرى على الفساد وتصدير الأسلحة الأجنبية وتطوير الأسلحة النووية.

كما تكشف مواقف «NIAC» أيضًا تبريرها للهجمات التي تشنها الميليشيات الموالية لإيران على السفارة الأمريكية في بغداد والقوات الأمريكية في أماكن أخرى في العراق، واعتبرت إياها ثغرة أمنية مسؤولة عنها الإدارة الأمريكية.

كما وصف المجلس جهود وزارة الخزانة الأمريكية لتقييد الخدمات المصرفية الإيرانية بأنها «معطلة وتمييزية»، وفي 2019، تبنى رئيس «NIAC» جمال عبدي نظرية المؤامرة بشأن الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط في خليج عمان، حيث وصفها بالعمليات الكاذبة المدبرة من قبل إدارة ترمب لتوفير ذريعة للحرب مع إيران.

في عباءة المرشد

في 2020، حينما تبنى علي خامنئي نظرية المؤامرة فيما يتعلق بفيروس كورونا، مدعيًا أنه هجوم بيولوجي أمريكي، تحدت إلهان ما تمليه عليها واجبات منصبها بالدفاع أولا عن مصالح بلادها إزاء تلك الاتهامات، وسارعت بالدفاع عن إيران مدعية أن «إبقاء العقوبات على إيران ليس قاسيًا فحسب، بل إنه إجرامي».

ولم تكن أزمة كورونا سوى مناسبة لتنشيط الأعمال المكلف بها بعض أعضاء الكونجرس من اللوبي الإيراني، ففي 2019 كانت إلهان من بين نواب وقعوا على رسالة موجهة إلى وزير الخزانة الأمريكي، تدعوه إلى تخفيف العقوبات عن إيران، كما شككوا في تصنيف البنك المركزي للنظام الإيراني كمنظمة إرهابية، رغم أنه المصدر الرئيس لتمويل الحرس الثوري الإيراني، الذي يقف وراء الأنشطة الإرهابية لإيران.

المثير أن هذه الدعوة من إلهان ورفقائها في 2019، تزامنت مع احتجاجات حقوقية في الشارع الإيراني واجهتها الآلة الأمنية بقمع تنفيذا لتوجيهات علي خامنئي الشهيرة «افعلوا كل ما يلزم لإيقافهم»، ولم تبالِ مجموعة «إلهان» بمقتل حوالي 1500 شخص خلال أول أسبوعين من تلك الاحتجاجات.

وخلال العام ذاته، وأثناء نظر محكمة قضائية في فلوريدا إحدى القضايا، أدلى شاهدٌ بتفاصيل ومعلومات تفيد بتجنيد «إلهان» من حكومة أجنبية، وتلقي تمويلًا منها، وإرسال معلومات حساسة إلى إيران عبر وسطاء، وهي الاتهامات التي ما زالت تلاحقها رغم نفيها لها.

كما أقامت «إلهان» سرادق عزاء على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب هلاك الإرهابي قاسم سليماني، متغاضية عن تورط «سليماني» في عمليات إرهابية راح ضحيتها العشرات من المواطنين الأمريكيين، فضلًا عن إدراجه على قوائم بلادها للشخصيات الإرهابية العالمية، كما مارست تضليلًا واضحًا حين اكتفت بوصفه بالمسؤول الأجنبي.

سعار سياسي

منذ صعودها إلى المشهد السياسي في أمريكا تعاني «إلهان» من سعار سياسي استغله المحور التركي الإيراني لمهاجمة القوى العربية التقليدية (السعودية، مصر)، بلغت حد مطالبتها بالإفراج عن متورطين بتهمة إرهابية، كما تواجه انتقادات عنيفة ومطالبات لوزارة العدل، بضرورة فتح تحقيقات لصلاتها بـ«الإخوان»، وانتهاك النظام الفدرالي بجمع تبرعات لمؤسسات مجهولة تحت غطاء خيري.

وكما تدافع «إلهان» بضراوة عن إيران، لا تخفي علاقتها المريبة مع تركيا، والتي بدأت ملامحها تظهر للعلن عام 2017، عندما دعاها «إردوغان» لاجتماع مغلق لساعة كاملة، في نيويورك على هامش مشاركته في اجتماعات عمومية الأمم المتحدة، رغم أنها لم تكن حينئذٍ معروفة نسبيًا، وبعد أسابيع قليلة من هذا اللقاء، دافعت بشدة عن افتتاح تركيا قاعدة عسكرية ضخمة في (الصومال)، وروّجت للنظام التركي مدعية أن تركيا نموذج للحكم الديمقراطي، رغم السجل القمعي الذي يوصم به النظام التركي على مدى العشرية الماضية.

وتواجه «إلهان» انتقاداتٍ حادة لعلاقتها ومشاركاتها المنتظمة في فعاليات «مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامي» (CAIR) المرتبط بالإخوان وتركيا، وهي ترفض تلك الانتقادات بداعي أن «CAIR» ليس مدرجًا على قوائم الإرهاب الأمريكية، لكنها تتغافل إدراجه عام 2009، ضمن قائمة يُطلق عليها «المتآمرون غير المدانين» للاشتباه في صلته بالإخوان وحماس وحزب الله.

أبرز محطات تسلل اللوبي الإيراني إلى الداخل الأمريكي

1995

- وقعت إيران اتفاقية مع شركة النفط الأمريكية كونوكو لتطوير حقول الغاز والنفط في إيران، وهي أول خطوة من نوعها بعد قطع العلاقات المشتركة عام 1980، واستغلتها إيران في تكوين لوبي تجاري داخل الولايات المتحدة، ودفع عمالقة النفط الأمريكيين للضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير سياستها مع إيران ورفع العقوبات.

- أُطلقت سلسلة من المؤتمرات الإيرانية-الأمريكية، بداعي تعزيز الصداقة بين البلدين، أسفرت عن إجراءات واقعية، وتفعيل ما سُمي بـ«مشروع الخليج 2000» الذي ترأسه «غاري سيك» المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، ومسؤول الملف الإيراني في البيت الأبيض سابقًا، وتم تمويل مشروع «سيك» من قبل شركات النفط الأمريكية.

1997

- وصل محمد خاتمي إلى رئاسة إيران، وقدمه الكيان الإيراني تحت مسمى «الإصلاحي» مدعيًا وجود تيارات وتباين في السياسات داخل النظام الإيراني، وأطلق «خاتمي» حملة تلطيف ساحرة لترطيب الموقف الغربي تجاه إيران وتخفيف العقوبات الاقتصادية.

- انتهز اللوبي النفطي الإيراني المرحلة، وأسس «هوشنك أمير أحمدي» منظمة تُسمى بـ«المجلس الأمريكي الإيراني» تسعى إلى رفع العقوبات عن طهران، وضم مجلس إدارته دبلوماسيين أمريكيين سابقين وكبار المسؤولين التنفيذيين من قطاع النفط بما في ذلك شركات Halliburto، Chevron، Exxon Mobile، وغيرها.

- في ذات العام، تأسست رابطة التجارة الإيرانية للغرض ذاته وهو إلغاء العقوبات ضد إيران، وترأسها «شهريار أفشار»، الذي دعمته شركة النفط كونوكو، لكن توقفت أنشطة الرابطة عام 2003.

2002

- تأسس ما يُعرف بالمجلس القومي الإيراني الأمريكي (NIAC) من قبل تريتا فارسي، وهو إيراني المولد يحمل جنسية مزدوجة من إيران والسويد، وموظفة سابقة في البعثة السويدية لدى الأمم المتحدة، وكان لمجلسه دور فعّال في إعادة تشكيل النقاش العام حول سياسة إيران، وتلميع صورة إيران واتفاق الرئيس الأسبق أوباما النووي المثير للجدل مع إيران.

- في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، اكتسبت الحركة المناهضة للحرب والمعارضة لسياسة جورج بوش في الشرق الأوسط الدعم الإيراني في الولايات المتحدة، وانضمت إلى اللوبي الإيراني، كما أعربت عن قلقها من عداء الولايات المتحدة تجاه إيران.

- مع وصول أحمدي نجاد للرئاسة في إيران، أطلق خطة جديدة للتواصل مع الجماعات الأمريكية المناهضة للحرب، والتجنيد بينهم واستخدام شبكاتهم الاجتماعية في جماعة ضغط شعبية للتأثير على الرأي العام وإجهاض السياسات الصارمة ضد إيران.

2013

- بدأت إيران تعزيز العلاقة مع شركات النفط الغربية وتقوية اللوبي المؤيد لإيران في الغرب، وفي أكتوبر من العام ذاته عقد رئيس أركان الجيش الإيراني اجتماعًا مع مجموعة من الخبراء والسياسيين المرتبطين بعلاقات مع جماعات ضغط أمريكية، حيث أوصوا بضرورة تعزيز اللوبي الإيراني في واشنطن، وشددوا على أهمية شركات النفط الغربية في حملة اللوبي، وتنبأت بأن ذلك من شأنه تقبل «إيران النووية» في الولايات المتحدة.

2020

- تقرير رفعت عنه السرية صادر عن مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكي، يكشف انخراط إيران عبر مجموعات ضغط داخلية في حملات تأثير سرية متعددة الأوجه استهدفت التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.