وصلت ابتكارات الرسام فهد بن نصيف، المهتم بالعصا وثقافة حملها وأنواعها، وكل ما يتعلق بإخراجها بشكل فاخر مميز، إلى حدود استخدامه بقايا الأدوية المضادة لفيروس «كورونا» في صناعة عصا خاصة.

قد أصيب «ابن نصيف» بالفيروس، وبعد شفائه لم يجد استخداما للأدوية المتبقية عنده سوى استخدامها في صناعة عصا، ألوانها ومكوناتها مشتقة من تلك الأدوية مثل المضاد الحيوي، وقشور المضاد، وقصدير الأدوية، إذ عرف عنه شغفه بصناعة العصي بأشكال فنية، وإلمامه بتاريخها وكل ما يتعلق بها.

قد لا يدرك كثيرون أن القوانين التي نعمل بها اليوم، ومفردها «قانون»، كلمة ذات أصل يوناني، تعنى «العصا». وقد انتشر هذا المصطلح في العالم، ليصبح جزءا من ثقافات الشعوب. وأكد «ابن نصيف» أن «العصا»، التي تستخدم منها اليوم 10 آلاف أداة، حسب ما ذكره الباحث الاجتماعي الأردني الدكتور حسين الخزاعي، احتفظت برمزيتها القوية كدلالة للسلطة والقوة والاستقامة، وللمعجزات كذلك.

وعلى الرغم من ثورة التكنولوجيا، فإن «العصا» واكبت كل المتغيرات، معلنة أنها «من جيل إلى جيل ليس لها بديل».

بقيت «العصا» رفيقة الأنبياء والخطباء، وسيدة المعجزات، ورمزا للسيادة والقيادة، والقدم الثالثة عند التعب، وأداة التعبير عند الفرح والرقص، والدفاع عن النفس، والهجوم على الأعداء، وظهرت مع بداية البشرية، وكانت أداة لجني الثمار، ودخلت بين أدوات المطبخ، واستخدمت في اصطياد الفرائس والدفاع عن النفس.

تاريخ وأديان

ما بين التاريخ والأديان، احتلت «العصا» مكانة بارزة، فحتى «حمورابي»، الذي يعد أشهر واضعي القوانين، وجد على مسلة بازلتية، عثرت عليها بعثة تنقيب فرنسية في 1901، يظهر شخصيا في قمة النصب، مُقدما فروض الطاعة، وواقفا أمام ما كان يسمونه «إله الشمس» (شمش)، الذي يعطي «حمورابي» العصا والصولجان، رمز السلطة.

ومنذ قدم التاريخ، تحولت «العصا» إلى رمز للسلطة الدينية والدنيوية والقوة والسيطرة، حتى إن الطقوس الدينية في المعابد القديمة لم تكن تجرى دون «العصا المقدسة».

اللام مع آدم

كان أول ذكر لـ«العصا» في كتب الساميين، الذين ذكروا أن الله حينما أنزل آدم إلى الأرض كانت معه «اللام»، وهي عصا مقلوبة، وقيل منها اشتُق شكل حرف «اللام».

وتعد عصا موسى (عليه السلام) هي أشهر عصا، حيث ينقل عن الإمام القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» لمعنى قوله تعالى في سورة طه {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}؛ قوله: «تعرض قوم لتعديد منافع العصا، منهم ابن عباس، وروى عنه ميمون بن مهران، إذ قال: إمساك العصا سنة للأنبياء، وعلامة للمؤمن، وقال الحسن البصري: فيها ست خصال: سنة للأنبياء، وزينة الصلحاء، وسلاح على الأعداء، وعون للضعفاء، وغم للمنافقين، وزيادة في الطاعات.. والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متكئا على سيف أو عصا، فالعصا مأخوذة من أصل كريم، ومعدن شريف، ولا ينكرها إلا جاهل.. وعادة العرب العرباء، الفصحاء اللسن البلغاء، أخذ المخصرة ـ أول مراتب العصا - وفيها قصر، والعصا، والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل، والخطب».

العصا مع الأنبياء

لازمت «العصا» نبي الله موسى (عليه السلام)، وارتبطت بكل مراحل دعوته، وصارت معجزة من معجزات الله، حيث تحولت إلى ثعبان التهم ثعابين سحرة فرعون، وشق بها البحر، فرارا من فرعون وجنوده.

ومن العصي المشهورة، منسأة نبي الله سليمان (عليه السلام)، التي مات متكئا عليها حتى أكلتها «الأرضة» أو «دابة الأرض»، فخر ساقطا.

وظهر النجاشي ممسكا بعصاه الطويلة وهو يستمع لعمرو بن العاص، يشتكي رهط المسلمين الذين لجأوا للحبشة، ويؤكد أن ما جاء به رسول الله (عليه الصلاة والسلام) والمسيح (عليه السلام) يخرج من مشكاة واحدة.

ويتمسك الأساقفة والكهنة المسيحيون بالعصا التي يتسلمها «الأسقف» من المذبح، ليكون مسؤولا أمام الله، ويسمونها «عصا الرعاية»، «العكّاز» الذي تعلوه حيّتان معدنيتان، في إشارة لعصا موسى التي رفعها في البريّة، منذ ضْرِبْ بِعَصَاه الحجر، فانفجرت منها 12 عينا.

عِصِيٌّ مشهورة

اشتهر كثير من العِصِيٌّ في التاريخ، منها عِصِيٌّ ذهبية عثر عليها في مقبرة الفرعون «توت عنخ آمون»، ونحت فوقها تمثال له. كما تمسك أباطرة اليونان بالصولجان، وهو عصا طويلة تعلوها حلية معدنية.

وحمل زعماء عسكريون وقضاة ورجال دين وملوك وأباطرة أوروبيون «العصا» رمزا لملكهم وسلطتهم.

العصا في التراث

بقي لـ«العصا» حضورها كذلك في التراث الشعبي، حيث حٌملت في الرقصات الشعبية بمصر، على الأخص في الصعيد، وكذلك في السودان، وفي الخليج تستخدم في عدد من الرقصات المعروفة، على الأخص في مكة المكرمة وجدة.

واستخدمت «العصا» كثيرا في رقصات شعبية، عرفت منذ القدم، حيث ظهرت في إحدى اللوحات الجدارية الفرعونية. كما تستخدم في بعض الألعاب الرياضية مثل القفز بالزانة والجولف والبولو، وغيرها.

مراحل الصناعة

عن مراحل صناعة «العصا»، خاصة في العصر الحديث، أفاد «ابن نصيف»: «ينبغي بداية معرفة أن قص العصا من الأشجار يتم خلال وقت معين، ومن ثم تبعد عن تيارات الهواء، وتسند بأداة سميكة حتى لا تميل مع الاحتفاظ بتضاريسها الطبيعية، ومن مراحل صناعتها التنشيف الذي يأخذ من 8 أشهر إلى سنتين».

برز «ابن نصيف» في عالم العصا، بشكل خاص، من ناحية ابتكاراته التي يشتغل بعضها بطلب من عملائه مثل تغيير مقبض «العصا» إلى قرن غزال أو عظم لكائن ما أو من مادة «البكلايت»، التي أصبحت نادرة، وارتفع سعرها بعد وفاة مخترعها، وعدم معرفة طريقة إعدادها. كما طوّر «عاشق العصا» منظرها من ناحية الألوان، وأيضا من حجمها بعد صناعته عصيا مزخرفة قصيرة، أصبحت تجد أخيرا رواجا ملحوظا بين المهتمين بـ«العصا». كما بلغ شغفه بها حد صناعة عصا مكوناتها من الأدوية المضادة لفيروس «كورونا»، الذي أصيب به، وبعد شفائه منه لم يجد للأدوية المتبقية عنده سوى صناعة عصا ألوانها ومكوناتها من المضاد الحيوي، وقشور المضاد، وقصدير الأدوية!!.

وأكد «ابن نصيف» أن رواد «العصا» والمهتمين باقتنائها لا يحصر عددهم، فهناك قبائل لا يزال أبناؤها حريصين على اقتناء «العصا»، كذلك لديه عملاء منذ سنوات عدة ما بين مسؤولين ومشايخ وأمراء وشخصيات مؤثرة وأخرى مشهورة.

وحرصا على مواكبة «العصا» عناصر الرقي والسمو في المجتمع، يعدها «ابن نصيف» قيمة وتحفة فنية أبعد مما يطلق عليها البعض سلعة، لذا يقدم للعميل طلبه في صندوق قماشي فاخر، يشتمل على «فلاش ميموري» يحكي ويوثق لصاحب «العصا» قصتها منذ قصها حتى آخر مراحل صناعتها، إلى جانب ضمان مدى الحياة على جودة ألوانها، وغيرها من المزايا والمواصفات التي يتم طلبها من هواتها.

العصا لدى المسلمين

عدّ المسلمون «العصا» سنة الأنبياء وزينة الصلحاء، حيث حملها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) كثيرا. كما لازمت خطباء الجمعة في المساجد، وعدت رمزا للوجاهة والأناقة. كما حملها المعلمون في الكتاتيب والدروس، واستخدموها في التأديب.

العصا حديثا

قد يكون فهد بن نصيف أفضل من يتحدث عن «العصا» حاليا، وأهميتها عربيا ومحليا، حيث حضر قرابة 32 معرضا ذات صلة بـ«العصا» داخل المملكة وخارجها، وقدم دورات عن كيفية صناعتها. قال «ابن نصيف»: «بداية علاقتي مع العصا كانت من خلال تساؤلاتي حول عدم إيجاد عصا ناعمة وليست خشنة، كما هو المتعارف عليه، ولماذا تخلو من عناصر الجمالية والإبداع والتميز، ومن هذه التساؤلات زاد اهتمامي بالعصا».

ويعد «ابن نصيف» بمنزلة الموسوعة المرجعية في هذا المجال، لكثرة إطلاعه وابتكاراته، موضحا: «العصا رفيقة الإنسان بكل حالاته، منها الخوف والعجز والقوة والفرح، ولها ارتباط وثيق بالحياة والمكانة الاجتماعية، ولا يزال لها نحاتون ومبتكرون على مستوى الدول العربية، وأكثرهم في مصر، وتحديدا في الأماكن الشعبية، أما في المملكة فيتراوح عدد المهتمين بشأن العصا ما بين 20 و30 شخصا. وفي عمان، لا تزال العصا تستخدم كجزء أساسي من الزي الرسمي».

من أسماء «العصا» في «لسان العرب»

1 - المِنْجَدَةُ:

عصا تساق بها الدواب وتحث على السير وينفش بها الصوف.

2 - المِقْلَدُ:

عصا في رأسها اعوجاج، يقلد بها الكلأ، كما يقلد القت إذا جعل حبالا؛ أي يفتل، والجمع «مقاليد».

3 - الصَّوْلَجَانُ:

عصا يعطف طرفها. أما «العصا» التي اعوجَّ طرفاها خِلقة في شجرتها، فهي محجن.

4 - المِرْبَدُ:

خشبةٌ أو عصا تعترض صدور الإبل فتمنعها عن الخروج.

5 - المِخْصَرَةُ:

شيء يأخذه الرجل بيده، ليتوكأ عليه مثلُ العصا ونحوها.

6 - الجَرَّةِ:

عصا تربط إلى حِبَالَةٍ وتُغَيَّبُ في الترابِ للظبي، يُصطاد بها، وفيها وترٌ، فإذا دخلت يدُه في الحِبَالَةِ انعقدتِ الأوتارُ في يدهِ، فإذا وثبَ ليفلتَ فمدَّ يدهُ ضربَ بتلكَ العصا يدهُ الأخرى ورِجلَهُ فكسرها.

7 - العَنَزَةُ:

عصا في قدر نصف الرمح أو أكثر شيئا، فيها سنان مثل سنان الرمح، وقيل في طرفها الأسفل زج كزج الرمح، يتوكأ عليها الشيخ الكبير، وقيل هي أطول من العصا وأقصر من الرمح، والعكازة قريب منها.

8 - المِخْرَشُ والمِخْراش:

عصا معوجةُ الرأسِ كالصولجان، ومنه الحديث: ضرب رأسه بمخرش.

9 - المِهْزَامُ:

عصا قصيرة، وهي المِرْزَامُ.

10 - المِحْجَنُ كالصولجان،

وفي الحديث: أنه كان يستلم الركن بمحجنه.

11 - المِرْبَعَةُ:

خُشيبة قصيرة يرفع بها العدل، ويأخذ رجلان بطرفيها فيحملان الحمل، ويضعانه على ظهر البعير.

12 - المِيْبَلُ:

رأيت وَبِيلا على وَبِيلٍ؛ أي شيخا على عصا.

13 - البَالَةٍ:

عصا فيها زُجٌّ تكونُ مع صيادي أهلِ البصرةِ، وهي بالتخفيف حديدةٌ يصادُ بها السَّمَكُ.

14 - المِطْرَقَةُ:

عصا النَّجَّادِ التي يَضرِبُ بها الصُّوف.

15 - المِلْوَظُ:

عصا يضرب بها أو سَوْطٌ.

16 - المِقْدَعَةُ:

عصا يَقْدَعُ بها ويدفع بها الإنسانُ عن نفسه.

17 - المِتْيَخَةُ:

اسم للعصا، وقيل: للقضيب الدقيق اللين، وقيل: كل ما ضرب به من جريد أو عصا أو درَّة وغير ذلك.

18 - السِّلاحُ:

العصا تسمى سلاحا.

19 - العُكَّازَةُ:

العَكْزُ هو الائتمامُ بالشيء والاهتداءُ به، والعُكَّازَةُ عصا في أسفلها زُجٌّ؛ يتوكأ عليها.

20 - المِهْمَزَةٌ (المَهَامِزُ):

عِصِيٌّ، واحدَتُهَا: مِهْمَزَةٌ، وهي عصا في رأسِهَا حديدةٌ يُنخَسُ بِهَا الحمارُ.