حينما يغادر شخصٌ ما، كرسي المسؤولية، ويأتي مكانه شخص آخر يبدأ الناس في فتح الملفات التي تعطلت في عهد سلفه.. يبثون الآمال ويرسمون الطموحات ويكشفون التطلعات، ويبدؤون في إعادة طرح الأفكار المرفوضة، أو القرارات التي وقعها السلف ويرونها غير مناسبة.. ويبدأ الإعلام من جانبه في رسم الطموحات المنتظرة من الرئيس أو الوزير الجديد.
لا أجد مشكلة في ذلك.. من حق الناس أن يبحثوا عن الأفضل دائماً.. من حقهم التطلع لمستقبل أفضل، بل هذا واجب عليهم في كل الأحوال.. أقبل ذلك من جميع الأجهزة، إلا في حالة واحدة، وهي شؤون الحرمين الشريفين.. الأمر لا يتغير برحيل رئيس أو قدوم آخر.. لأنه أكثر الأجهزة في الدولة الذي يحظى باهتمام كبير من جميع ملوك هذه البلاد، بل ويقع على رأس الاهتمامات على الإطلاق.
بقي الحرمان الشريفان خارج الحسابات دائماً.. كانا استثناءً في كل المراحل، حتى في الفترات التي عانت فيها الدولة من انخفاض أسعار البترول وانخفاض الموازنات العامة و"شد الأحزمة"، كانت مشاريع توسعة الحرمين الشريفين تسير بشكل متواصل بل ومتصاعد.. هذه أمور يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.
الأسبوع الماضي أجبرت الظروف الصحية فضيلة الشيخ الدكتور صالح الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، أن يطلب الإعفاء.. حيث تم إسناد المهمة لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس.. خجلت أن أواكب التعيين بأي حرف.. ما الذي بوسعك أن تقول وأنت ترى هذا الجهد الجبار في خدمة الحرمين الشريفين!
كنت أتأمل الحرم المكي قبل فترة.. حينما قلت لأحد الأصدقاء: يُحمد لهذه الأسرة المالكة اهتمامها الكبير بالحرمين الشريفين.. كيف لو كان في إحدى الدول التي تعرفها؟! التفت لي قائلا: "كان تلقى المظاهرات في صحن الطواف، ومكتب التذاكر عند مدخل الصفا والمروة"!