هجمات وعقوبات محسوبة الإيقاع تقوم بها أمريكا بين الفينة والأخرى للضغط على إيران، مثلما تضغط إيران من خلال ذيولها بضرب القواعد الأمريكية للتأثير في مسار مفاوضات فينا، ولأجل إجبار أمريكا على الخروج من المنطقة، لهذا إيران تراوغ وتطاول لأجل تأخير المباحثات وتعطيل الاتفاق لأطول مدة لحين رحيل أمريكا مهزومة من العراق، لأنها تراهن على الوقت، وعلى ضربات ذيولها على القواعد الأمريكية.

لهذا السبب اجتمع قائد الاستخبارات في الحرس الثوري مع عدد من قادة (الميليشيات) في العراق، ونقل إليهم «رسالة القائد الأعلى» حول متابعة الضغط على القوات الأمريكية في العراق حتى مغادرتهم المنطقة، مثلما رحلت من أفغانستان.

لهذا إيران تعتقد أن شدة الضربات سوف تجبر أمريكا على الرحيل، وتعتبرها مسألة وقت.. بينما أمريكا تضغط من جانبها بضربات متواضعة على الحدود بين العراق وسوريا رداً على قصف ذيول إيران المتكرر على قواعدها، في الوقت الذي تعتبر فيه إيران أسلوب ضربة مقابل ضربة لا تعني سوى مبارات ودية بين فريقين يتبادلان ضربات الجزاء خارج الشباك، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من تصلب مواقف الميليشيات.. بمعنى لو كانت أمريكا صادقة في تحجيم إيران لاتبعت إستراتيجية ردع واضحة باستهداف رأس الأفعى ومصدر القرار في قلب العاصمة طهران، أما أن يبقى الموضوع في إطار تراشق محدود الغاية من كل طرف يريد لوي ذراع الطرف الآخر، فالأمر لا يعدو سوى ضحك على الذقون، لأنه مهما اشتدت الضربات الأمريكية على الذيول لا يهم إيران بشيء، بقدر ما يهمها عدم وصول النيران إلى الداخل الإيراني، لأنها تعتبر تلك الضربات ليست إلا رسائل متبادلة عندما يتعلق الأمر بمسائل خلافية في مباحثات فينا، حيث يبدأ التصعيد عندما تتصلب المواقف، وبعد ذلك يعود الهدوء بانتظار الجولات الأخرى.

أما لو استمرت الضربات في الداخل الإيراني عبر تنوع الاستهدافات وكل يوم تفجيرات وحرائق يمكن اعتبار ذلك تطورا جديدا في قوانين اللعبة. وهنا سوف تعيد إيران حساباتها ولن تتأخر بالتضحية بذيولها، أو تتنازل عن مواقفها المتصلبة في مباحثات فيينا، بالرغم من أن كلتي الحالتين شراب طعمه مر، إلا أن ذلك أهون عليها مقابل إبعاد الشرارة عن الداخل الإيراني.

والمقلق أكثر لإيران انسحاب أمريكا من أفغانستان لأنه إذا قوي عود طالبان فإن حدودها الشرقية تكون مكشوفة، ولابد من سحب فصائل مهمة من ميليشياتها في سوريا والعراق التي لا تقوى على مقاتلة خصم قوي وعنيد مثل طالبان، لأنها اعتادت على قتال مدنيين عزل في محافظات تم تجريدها من كل مكامن القوة، لذلك فإن هروب تلك الميليشيات سيكون حتمياً.

مما يعني إذا كان هذا الذي تخطط له أمريكا فإن تحجيم إيران اصبح قاب قوسين أو أدنى، أما إذا كانت لا تعلم ما تريد سوى تخبط وردود أفعال هزيلة، فإنها سوف تجبر على الرحيل، وأن الحوار الإستراتيجي بين أمريكا وحكومة بغداد سوف يتبين من خلال نتائجه، إما أن يكون مبررا للهروب أو البقاء من أجل استمرار مخطط تحجيم إيران وذيولها في المنطقة.