كلمات بالية عفى عليها الزمن، واندثرت خلف حطام زوجة، ودمعة طفل، ومستقبل شاب لم يجد حلاً لطيشه سوى زوجة تشاركه مصيره المتردي.

دعونا نجرد المعنى العام للزواج ونضعه في إطاره الصحيح بعيداً عن ازدواجية المسارات المسبوقة بحسن النوايا في تصحيحها. الزواج لن أستطيع أن أحتويه في مقالة ولكن ضميري يحتم علي أن أدلي بدلوي في ظاهرة غير خلاقة استمرت لقرون طويلة، بل وما زالت مستمرة حتى لحظة جمع شتات أفكاري في نقراتي على الكيبورد.

وكما تقول الحكمة: «تذهب الريح بالمهر وتبقى البشاعة»، فالزواج ليس قدرة مالية تؤهل الرجل للزواج، فالمال يذهب في مهب الريح والأخلاق تبقى عند مقاليد أصحابها تمنحهم العزة والكرامة.

شعور المرأة ورغبتها في الزواج مثل الرجل لنفس الدوافع والرغبات الإنسانية البحتة، ولا يأتي ذكر الزواج إلا بالمودة والرحمة التي ستعمق أواصر الاستقرار بينهم. السؤال الذي يطرح نفسه بدهشة على الأب الذي يريد صلاحاً لابنه بالزواج وهو يعلم أن ولده لديه ما لديه من المشاكل، فكيف تزوج ابنك وأنت تعلم أنه غير مستقر مع نفسه الأمارة بالطيش.

زواج ابنك ليس الحل بسوء تدبيره وقلة أخلاقه إن لم تستطع أن تربيه أو أخفقت في تلك المسؤولية رغم محاولاتك في إصلاحه، لن تجتاح أخلاقه أمرأة ليس لها حول ولا قوة سوى حظها العاثر الذي قذفها بين براثن الإثم والعدوان، وهل كنت ستقبل بزوج لابنتك يحمل مواصفات ابنك التي تحفظها عن ظهر قلب؟،هنا المفارقة الغريبة ترضى للناس ما لا ترضاه لنفسك.

ربوا أبناءكم قبل أن تزوجوهم، فسواد الوجه أعظم من سوء التربية، و في المقابل ابنتك وفلذة كبدك تلك الطفلة الصغيرة التي مرت الأيام بين كنفك وتحت مظلتك وفي رعايتك حتى ازهرت بشبابها وأصبحت رقيقة ناعمة مرهفة المشاعر، ألم تتذكر طفولتها معك وهي تتسلق على ظهرك وترفعها بيديك وتمسك بجدائلها، بل إن ضحكاتها البريئة ما زال صدى صوتها في أذنيك حاضراً، هل ستتخلى عنها عند أقرب رغبة إنسانية تسوقها الأقدار بين يديك.

فإن كان أهل العريس يريدون أن تربوا ابنتكم على طريقة زوجوه يعقل، هل ستمنح شرف خوض التجربة لابنتك!!.

لا أعتقد أن الزواج يتحرى الفرصة وقابليتها للظهور دون العناء في البحث والتنقيب عن زوج ابنتك قبل أن يغتالها ذئب لا يعرف الرحمة.

أما على مستوى العروسة الجديدة فهي مسرورة ومبتهجة، ولا تعلم الخطة المعدة للتخلص منها، شعورها بأنها أسعد امرأة في العالم يخطف لحظاتها بجرعات غامرة، ترتشفها بتحضيرات الزواج لتسكب رغبتها في أن تكون أجمل عروس، متجاوزة حلم حياتها عتبات قاعات الأفراح إلى قفص الزوجية الذهبي.

تكمن المفارقة العجيبة بعد أن يقع الفأس في الرأس، وتأتي العروس التي ذبلت ملامحها وسال كحلها وفاض الدمع من عينها، حيرانة في أمرها وتشتكي أهلها وتلجأ إليهم بعد أن ارتبطت بمدمن لا تعلم عن إدمانه أو معتل نفسيا لا تعلم عن معاناته، تصطدم في الواقع المرير وكأن دور الأهل انتهى من بعد أن رموها عند الأيادي الغادرة وهم يغلقون الباب في وجهها تحت بند «مالك إلا زوجك».

بل وإن بعضهم لا يتدخل في المشكلة فترخص ابنتهم لدى المشتري وتبخس السلعة أكثر وأكثر.

من المحزن أن المرأة ذلك الكائن اللطيف الودود، وتلك الفتاة التي هي أحن على أبيها من أولاده عليه، تصل إلى نطاق ليس لها حول ولا قوة فيه،بحجة أن رسالتك سوف تكتمل حينما تزوجها وتنتهي منها، لا تدار الأمور بالتخلص بل بالتعقل.

بل ويصل الحال في بعض الأسر بعد شعورهم بتوتر الحياة الزوجية لابنتهم مع زوجها أنهم يتوعدونها إن رجعت لهم بأنها سوف تُضيق عليها الخناقات وتفعل ما يريدونه دون مراعاة لإنسانيتها، فتضع المسكينة كفا على كف وتقبل العيش مع زوجها دون راحة ولا اطمئنان ، أهون من أهل تجردوا من إنسانيتهم نحو ابنتهم المطلقة، وكأن وجودها معهم هو إخفاق لتربيتهم.

لا أحبذ الطلاق ولا أدعو له، إلا إذا كان آخر الحلول، لذلك اجعل الخيار بيد ابنتك في القبول أو الرفض، وإن لم يأت رجل آخر ليتزوجها في أسوأ الأحوال، سعادة ابنتك أولى من ذئب بشري ينهش براءتها ورقتها بجفوة لا مبالاته.

ترفقوا في بناتكم واعلموا بأن بناتكم عزة لكم ورفعة لمكانتكم، وجودهن شرف يعانقكم بنفحات أرواحكم التي وهبتموها لهن، فكونوا لهن على العهد قائمين، وفي حبهن حاضرين، فهن ثمرة أيامكم التي تألمتم لهن وضحيتم من أجلهن، فلا تمنحوهن إلا لمن يرتضينه زوجاً، لهن حرية الاختيار، كما كفل لهن الشرع، وكما منحتهن الإنسانية القرار، كونوا لهن ولا تكونوا عليهن.