أعود اليوم للحديث مجددا بعد القرارات الأخيرة الخاصة بتحديث أنظمة الكفالة والكفيل ودمج التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد، حيث إن المملكة العربية السعودية ليست دولة مغلقة ولا مجتمعا أحاديا، بل ومنذ تأسيسها وهي مفتوحة للكل وفق ضوابط تحقق أعلى معدلات الاحترام والحرية لكل من يفد إلى هذا الثرى الطاهر، يدعم تلك الضوابط والتوجهات شعب أبي مسالم كريم يتعايش مع الآخر وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، والتي عادة ما تكون في صالح جميع الأطراف.

كان ولا زال وسيبقى بإذن الله ثم بتوجيهات ولاة الأمر -حفظهم الله- الوافد إلى المملكة سواء بتأشيرة عمل أو حج أو عمرة أو زيارة أو استثمار أو مرور، يشعر بأمن وأمان وحسن وفادة، حتى أن الغالبية تود الإقامة الأبدية، فلا تمايز أو ما يتنافى مع التعامل الحسن، والشاهد على ذلك أنه ومنذ سنوات هنالك رقم لا يتناقص بل يتزايد عن عدد المقيمين بالمملكة سواء للعمل أو في مجالات الاستثمار الوافد، وأكثر من ذلك سنويا ما بين معتمر وحاج وزائر وعابر، وكل أولئك يجدون في المملكة وطنا ثانيا لهم، بل كثير منهم يجعلها وطنه الأول والشواهد على ذلك كثيرة، ووسائل إعلام بلدان أولئك الوافدين خير من يترجم ذلك، خصوصا بعد كل موسم حج أو عمرة أو أي مناسبة.

هؤلاء الوافدون والذين يجدون بيننا كل حفاوة وترحاب والذين أسهموا معنا في التنمية خلال العقود الماضية والحاضرة، ومستقبلا أرى أن وضعهم يتطلب جهة إدارية تكون مرجعا لهم في شتى مناحي حياتهم على هذا الثرى، وتكون بمقام (وزارة للوافدين) تتولى شؤون حياتهم منذ الدخول إلى المملكة من جوازات وعمل وتأمينات وتأمين صحي واستثمار واستقدام أسر وتنقل وقضايا وبطالة وتسول وخلافه، وكل ذلك تحت مرجع واحد بدلا من هذا التشتت الذي غالبا ما يأخذ أوقاتا تدخل في سنوات.

فهنالك مشاكل تجديد الإقامة قد تأخذ سنوات لوجود إشكالات بين أكثر من جهة، وكذلك بعض القضايا العمالية وقضايا الاستثمار تأخذ سنوات أحيانا، ومشاكل التسول ومخالفة نظام الإقامة والهروب هي مشاكل تطول وقد تحتاج إلى وقت، وأيضا ظاهرة التخلف الجماعي، حيث يشهد بعض السفارات والقنصليات تجمعات لرعاياها المتخلفين عن مواسم الحج والعمرة أو الهروب من كفلائهم، لكن كثرة الجهات وتشابكها وهي منفصلة إداريا عقد كثيرا من الأمور.

فوجود وزارة تعنى بشؤون الوافدين فيه الكثير من الإيجابيات التي ستسهم في حل كثير من التعقيدات التي تعاني منها أكثر من جهة، وغالبا تكون ترسبات سوء تنسيق لعدم وجود جهة جامعة لذلك، وتستطيع مثل تلك الوزارة تحقيق ذلك باستحداث إدارات خاصة ومتخصصة ومتفرغة، وكذلك إنشاء قاعدة معلومات عامة تشمل كل جوانب حياة الوافد طيلة تواجده بالمملكة، ومثل هذه الوزارة تستطيع التعامل مع وزارات المغتربين في الدول الأخرى، والتنسيق وتبادل المعلومات والخبرات.

وكذلك الإشراف على الجهات المرتبطة بشؤون الوافدين كما أسلفت من جوازات ومكاتب العمل ومكافحة التسول والأمن العام وكافة قطاعات وزارة الداخلية والاستثمار والسياحة، بل كافة الجهات ذات العلاقة والتنسيق فيما بينها، والعمل الفعلي على تطوير مستوى الأداء، والتدقيق والرقابة العامة وتقديم المقترحات والآراء المتعلقة بتطوير سبل العمل، وتذليل أية عوائق تواجهها مستقبلا، واقتراح وضع السياسات والأنظمة واللوائح المتعلقة بالوافدين ومراجعتها كلما اقتضت الحاجة، وبالتالي توفير كافة المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة بالوافدين المتواجدين في المملكة سواء بطرق نظامية أو خلافه، وتحليلها وعرض النتائج على المسؤولين مقرونة بالتوصيات المناسبة، وذلك لما فيه المصلحة العامة.

وكذلك المشاركة في تنفيذ السياسات والدراسات المتعلقة بإحلال السعوديين محل العمالة الوافدة، وذلك من خلال قاعدة البيانات التي تحدد المهن وشاغليها الحقيقيين، والتنسيق في ذلك، والمشاركة في اللجان والمؤتمرات والندوات وإعداد الدراسات اللازمة لمعالجة قضايا الوافدين، بالمشاركة مع الجهات الأخرى سواء داخل المملكة أو خارجها.