المشهد الدولي؛ يؤكد أن العالم ارتضى حكماً رغماً عنه، بعودة حركة طالبان لحكم أفغانستان،والعمل متسارع لخلع «الرداء الجهادي» الطالباني.

فالمؤيدون ليسوا كما كانوا عليه قبل عشرين عاماً، على الصعيد الداخلي والخارجي، ومنظر من تعلقوا بالطائرة العسكرية الأمريكية أوجع الدنيا ومن عليها وأجج العالم بأكمله على الحركة.

قد يكون ذلك المشهد تمت خدمته إعلامياً، لكن بلا شك هناك آلاف المشاهد كذلك، أو ربما أقسى وأشد ألماً منه بكثير.

والهاربون من الخوف ملايين؛ في أرضٍ تكتنز ما يُشبه أحجاراً كريمة، في خزينة دولة مستبدة، هكذا هي أفغانستان وهذا قدرها، فلا صوت يعلو فيها على صوت السلاح، ولا كلمة يمكنها القفز على رأي من منحتهم الولايات المتحدة الأمريكية جرعةً من الحياة، ستنعكس مع الوقت، على حركات قامت على دعائم «جهادية»، لتعيدها للواجهة من جديد، بصرف النظر كانت مؤيدةً أو معارضةً لحكم طالبان. فتصدر حركة طالبان للمشهد الأفغاني، يُعيد أو ربما أعاد كثيراً من رفاق السلاح إلى العمل المسلح من جديد.

وباكستان ليست ببعيدة عن ذلك، إذ يُمكن أن تستفيد الجموع الخامدة من حكم طالبان «المجاورة» لها لا محالة.

حينها سيتحول الأمر إلى أشبه بـ«كرة ثلجٍ» لا مناص من تعاظمها، والعالم ليس بغافل عن ذلك، بل يتفهّمه بكل وضوح، إلا أنه لا يملك أكثر من التعبير عن القلق، عدا واشنطن التي غرقت في أحلام حاكم الدولة الجديد، بعد أن تسببت في زوبعة كبرى، ظاهرها يقوم على مفهومٍ أمريكي محوره أن حالة دخول تلك الأرض، كان لمحاربة تنظيم القاعدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، لا لبناء مجتمعٍ أفغاني، وباطنها محاولة لتعزيز القدرات العسكرية الأمريكية.

وربما في موضعٍ آخر محاولة للتنفيس عن الداخل الأمريكي آنذاك – أي إبان زج جورج بوش الابن بقوات بلاده في الأراضي الأفغانية- الناقم من الهجوم على أبراج التجارة العالمية.

وفي نهاية الأمر لم يتحقق لا هذا؛ ولا ذاك، بمعنى أنه لم يُهزم تنظيم القاعدة ولم يُقض عليه، ولم يتم تقليم أظافر الحركات التي أعانته على مواجهة أمريكا على الأراضي الأفغانية، بما في ذلك حركة طالبان. وعلى هذا الأساس فالخشية حاضرة، من عودة خلايا «القاعدة»، التي باركت وصول الحركة للحكم، حتى وإن تظاهرت بالسلمية والتخلي عن مبادئ «الجهاد» التي قامت عليها، إلا أن ذلك لا يتجاوز الدعاية الإعلامية، الهدف منها بعث رسائل اطمئنان للمحيط الخارجي، بدليل أنها – أي طالبان - وضعت سياساتها أمام امتحانٍ عالمي، وأبدت استعدادها للانخراط في الحياة البشرية الطبيعية.

وفي موازاة ذلك، من الناحية الأمريكية، فالاحتمال وارد، أن يكون بعضاً من أعضاء الكونجرس، فهموا، بل عبروا عن خشيتهم من سقوط أفغانستان بيد حركة طالبان، بعد انسحاب قوات بلادهم من الأراضي الأفغانية، ليُعاد الأمر كما كان عليه قبل الدخول الأمريكي لتلك البقعة من العالم.

وقد يتفهّم الشارع والرأي العام الأمريكي أن ذلك استسهال بمن ذهبوا ضحية لتلك الحرب القذرة من أبناء الشعب، دون اكتراث من الرؤساء المتعاقبين. وهذا صحيح، وذلك يكشف مدى التزييف الغربي بحالته العامة، من حيث تغنيه بالحرص على أرواح البشر، بينما يُرخص في جهةٍ مقابلة، إزهاق أرواح مقاتليه من الأبناء، في قضايا لا تمس المواطن الأمريكي بشكلٍ مباشر، إنما ذات أغراض انتخابية على الصعيد الداخلي.

أعود لطالبان وأقول، إن الفكرة النمطية المأخوذة عن الحركة، بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت لتغييرها على المستوى العالمي، وقبل مخاطبة الرأي العام العالمي، عليها طمأنة من تبقى في البلاد من مواطنين؛ يُشكلون آلافاً من طوابير الراغبين في الفرار من الموت نظير فهمهم واقع الحركة، حتى إن قالت على لسان أحد قياداتها، إنها لم تعُد كما كانت – بمعنى أنها اعتبرت من الدروس خلال العقدين الماضيين- فذلك يحتاج في المقابل، للذهاب إلى كسر الصور «الإرهابية»، وغير القابلة للحياة، كما هو مأخوذ عنها. وهذا يتطلب مصداقية مع الذات أولاً، قبل الآخر.

أستطيع التأكيد على أنه إن رغبة طالبان الاندماج في الكل الكبير للمجتمع الدولي، فإنه يجب عليها التفكير خارج مربع السيطرة على مفاصل الدولة، والذهاب إلى أبعد من ذلك، من حيث استغلال موارد ومكتسبات ومكتنزات الأرض الأفغانية، والبحث عن شريكٍ تنموي من شأنه أن ينقل البلاد من حالٍ إلى حال.

والتفكير في رديفٍ اقتصادي قريب كان أو بعيد، هو الخطوة الذكية المنتظرة مكتملة الأركان التي ستعزز الثقة بها، إن كانت الحركة تسعى لأن تُبرهن بالدرجة الأولى للرأي العام المحلي والدولي، أنها تعلمت من أخطاء الماضي.

حتماً سيبعث ذلك بالطمأنينة على مواطن تلك الدولة، شريطة الابتعاد عن التمييز العنصري بين ذكرٍ أو أنثى.

إن ما على الأفغان فهمه مع من سيحكمهم، أن السياسة الأمريكية التي حولت بلادهم إلى رُكام، تقوم على التجاذبات، والمصالح الحزبية الانتخابية.

وأن الشعارات التي تخدع بها تلك الدولة التي تصف نفسها برأس حربة الحرية والديمقراطية شعوب العالم الآخر، تصب في ذلك الهدف.

بل يُفترض عليهم رجالاً ونساء، استيعاب أن دولتهم باقية على رغم ما شهدته من كوارث، بدليل أنها كانت عصيةً على القوى العظمى؛ بصرف النظر عن أنها تحولت في فترةٍ مضت إلى أرض مساحةً كبرى للبحث عن الثأر الذي لم يتحقق إلا من خلال الشعارات غير المُجدية.

فلا خيار أمام الجميع إلا التحول إلى دولة طبيعية يعيش بها إنسانٌ طبيعي، بمقوماتٍ طبيعية.

أعتقد أن البعض يخشى عقارب الساعة، وهو ينظر من بعيد لأفغانستان في حالة ترقب وانتظار للقادم.

والكثير يرغب في استخراج الكنز من الأرض، لكنه يهاب جحور العقارب.. «عجوز» البيت الأبيض كذلك. لذا فر صاغراً؛ إلى غير رجعة.