سؤال مطروح! من أنت أيها السعودي وماهي الهوية السعودية التي تقدمنا للعالم؟ دون أن نخوض في تعريفات علماء النفس والإنتربولوجيا والاجتماع الذين ناقشوا مسألة الهوية وقدموا نظريات كثيرة حول أهميتها في بناء الدول وبقائها، اكتفي بأن النظريات العلمية اعتبرت أن الهوية هي في آن واحد إطار للخصوصية الذاتية، ووعي بالانتماء، وعلاقة تمايز واختلاف مع الآخر.

إن في هذه المعاني التي ركزت عليها الدراسات النفسية والاجتماعية من فرويد إلى إريك اريكسون وجاك لاكان وبندكت اندركسون.. قاعدة لفهم وضبط تحديات الهوية في مجتمعنا السعودي.

ولا بد أن نقر من البداية أن هويتنا الوطنية هي حصيلة مسار الدولة الوطنية الحديثة التي أسسها المغفور له الملك عبدالعزيز في هذا البلد المتنوع في ثقافته وتركيبته القبلية والاجتماعية والمناطقية.

قبل الدولة الحديثة، لا معنى للحديث عن هوية وطنية جامعة رغم الروابط العميقة بين مكونات مجتمعنا من دين ولغة وتاريخ مشترك وعادات وتقاليد متشابهة، فالدولة هي التي حولت هذه السمات إلى مكون قوي للشخصية الجماعية والذاتية الواعية.

في المحدد الأول، برزت فكرة الخصوصية التي استندت إلى الطبيعة المميزة للدولة السعودية الحديثة في اختلافها عن الأشكال السابقة من تجارب الاجتماع السياسي والمدني. كان الملك عبدالعزيز واعيًا منذ البداية أن التجربة الجديدة متفردة ومتميزة في خصوصيتها، لكونها وإن اعتمدت مرجعية إسلامية إصلاحية فإنها كرست في الوقت نفسه مفهوم الدولة بمعاييرها الحديثة من سيادة وطنية وإدارة مركزية للإقليم الجغرافي ومن بناء مؤسسي يكفل تشكل ميدان عمومي مستقل.

وفي المحدد الثاني، ندرك أن المثقفين السعوديين منذ بدايات تشكل الدولة الحديثة بلوروا التصورات الجديدة للوعي الوطني والانتماء للمجموعة الوطنية، وعبروا عن هذا الوعي في أعمالهم الفكرية والإبداعية. من هؤلاء الأعلام من أسس لسردية تاريخية واجتماعية للهوية السعودية مثل حمد الجاسر في أعماله الرائدة حول الجزيرة العربية في شتى مناحي حياتها الطبيعية والإنسانية، ومنهم من عبر عن الانتماء بالشعر والرواية بلغة الإحساس المعيش مثل محمد حسن عواد وغازي القصيبي وعبدالرحمن المنيف ورجاء عالم.. ومنهم من صاغ هذا الانتماء بلغة الفكر السياسي والبحث العلمي.

أما معيار التميز والاختلاف فيبدو في السياسات الإقليمية والدولية التي تبنتها الدولة السعودية منذ قيامها، وقد تمحورت حول 3 توجهات كبرى هي: تأسيس منظومة خليجية مندمجة وموحدة التي تشكل السعودية مركزها وقلبها، وتوطيد منظومة العمل العربي المشترك التي تعتبر السعودية من أعمدتها المحورية، وبناء مجموعة تكتل إسلامي على أساس الموقع الاستثنائي للسعودية بصفتها مهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين ومركز استقطاب المسلمين من كل الأنحاء.

أن هذه المكونات الثلاثة من انتماء ووعي ودور خارجي تشكل عناصر الهوية السعودية، كما تشكلت من خلال التحام الدولة بالمجتمع والسياق الثقافي والحضاري للبلاد. ولذا على عكس ما نقرؤه أحيانا لدى بعض الكتاب الأجانب، فإن الهوية السعودية مكينة وقوية، ولم تتأثر سلبًا بأنماط الهويات الخصوصية من قبلية ومناطقية وطائفية، لأن ركائز الدولة قوية والولاء لها صلب والإجماع حولها متجذر في كل مناحي وأنحاء المجتمع السعودي.

فالانتماء الحقيقي هو صمام الأمان للأوطان.