يُعد بناء المهارات والقدرات الرقمية للأفراد والمجتمعات ومواكبتها للتطور الهائل والطبيعة الدينامية المتسارعة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أحد أهم عوامل تحقيق الميزة التنافسية في عالمنا المعاصر، حيث تكاد الثورة الرقمية تمس كل المجالات الحيوية وقطاعات الأعمال بما في ذلك مؤسسات المصارف والبنوك والرعاية الصحية والتعليم والتدريب والصناعة والاقتصاد.. إلخ، ولم يعد من الممكن تجاهل هذه الحقيقة والتخلف عن اللحاق بركب الدول المتقدمة ذات الاقتصاد المعرفي والرقمي التي أدركت أهمية الرقمَنة ودورها في خلق التنمية الاجتماعية والتقنية والصناعية والاقتصادية المستدامة.

لقد أصبحت إدارة المعرفة والمهارات والقدرات الرقمية إحدى الممكنات الرئيسة للإبداع والابتكار، بل وتُعد الجذور العميقة للتحول نحو الاقتصاد المعرفي والرقمي، إضافة إلى اعتبارها القوة الدافعة والمتطلب الأساسي للولوج في عالم الثورة الصناعية الرابعة (4IR) والتمكن من استثمار تقنيات تطبيقاتها مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT) والبيانات الضخمة (BD) وتعلم الآلة (ML) والحوسبة السحابية (CC)، لهذا فإن الاتجاه السائد في التعلم والتدريب المعاصر قد تزايد اهتمامه لاستحداث الحلول وطرح المبادرات وتصميم البرامج المبتكرة الكفيلة ببناء وتعزيز المعرفة التقنية والرقمية لدى الأفراد على المستوى المبتدئ والقوى العاملة على المستوى المتوسط ومهنيو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومختصو علوم الحاسب الآلي على المستوى المتقدم، وكذلك لمحو الأمية وردم الفجوة الرقمية لدى المجتمع بشكل عام.

لذا فقد بدأت المملكة تحث خطاها المتسارعة وتعمل بجدية متناهية للتحول الرقمي العميق والذي يمهد لها مرحلة مشرقة في عالم الريادة التقنية الرقمية بحلول عام 2030، حيث أعلنت مبادرة طموحة وُسِمت بــ«همة-قمة-طويق» في بيئة محفزة ومجتمع متفاعل لطاقات مؤهلة، وأعلنت أضخم إطلاق تقني في السعودية LaunchKSA برؤية ثاقبة من لدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتى تصبح المملكة من أفضل 5 دول في مجال الذكاء الاصطناعي وأن تحقق الوصول لتأهيل مبرمج من بين كل 100 سعودي، وخصصت لتحقيق ذلك ميزانية تقدر بـ4 مليارات ريال لتنفيذ حزمة من المبادرات والفعاليات والبرامج منها: عقد شراكات مع عمالقة التكنولوجيا تشمل 10 شركات تقنية عالمية وافتتاح أكاديمياتها المتقدمة في الرياض، وإقامة مؤتمر LEAP التقني كأكبر تكتل وتجمع فريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وبالتعاون مع سدايا SDAIA سيتم إطلاق أكاديميات ومعسكرات حضورية منتهية بالتوظيف وافتراضية لرفع وتنمية المهارات والقدرات الرقمية لاستهداف شباب وشابات الوطن وتأهيلهم لمنافسة الأكاديميات العالمية في عدد من المجالات التقنية المتقدمة من أبرزها الأمن السيبراني والبرمجة والذكاء الاصطناعي وبرمجة الألعاب، وعقد شراكة بين بلاك هات Black Hat وموسم الرياض الترفيهي لإطلاق أكبر فعالية تقنية في العالم من لاس فيجاس إلى الرياض، وإعلان مسابقة «إرباك» للشركات الناشئة بالشراكة مع MBC وثمانية، وغيرها من الفعاليات الرائدة التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، ولكن اللافت للانتباه هو تلك المنصات الافتراضية المجانية والتي شكلت إضافة نوعية فريدة للتواصل المعرفي Knowledge Intercommunication للسعوديين ولكل العرب حول العالم، حيث تم تدشين منصة سطر Satr.codes في مجال التعلم الإلكتروني والتفاعلي لتضم 1300 درس و370 مقالة تعليمية و800 اختبار ومشروع، إضافة إلى منصة كودرهَب CoderHub.sa في مجال تطوير المهارات والتحديات البرمجية لدى المبرمجين العرب ولاكتشاف الموهوبين في حل الخوارزميات البرمجية عبر 400 تحدٍ و 4 لغات برمجية.

ولكي تؤتي هذه الجهود ثمارها وتحقق أهدافها وغاياتها، فإنه لا بد من تكاتف تحالف رباعي داعم يتمثل فيما يلي، أولاً: مستوى مراكز الأبحاث الجامعية والمتخصصة لدراسة مكامن القوة ومواضع معامل التميز لدى الأفراد والمجتمع ومن ثم توجيه البوصلة لاستثمارها على غرار التميز الكوري الجنوبي في الابتكار التكنولوجي Innovation أو التميز الصيني في النمذجة السريعة Rapid Prototyping والهندسة العكسية Reverse Engineering، ولعل صناعة شرائح الرقائق الذكية التي أعلن عنها وزير تقنية الاتصالات والمعلومات إحدى تلك الفرص الواعدة ومكامن القوة التي ينبغي أن يتم استثمارها بشكل متعمق واحترافي.

ثانيًا: على مستوى الإعلام عبر وسائله المختلفة للدعاية والتوعية لجميع فئات المجتمع، ثالثًا: على مستوى التعليم في المدارس والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجامعات من خلال تحفيز الطلاب والطالبات وتوعيتهم وتأصيل المنصات الافتراضية سطر وكودرهب في أنشطتها المنهجية واللامنهجية والتدريبية والتفاعلية خاصة لدى الموهوبين والمتخصصين في المجالات التقنية وعلوم الحاسب الآلي، رابعًا: على مستوى الأسرة بتوجيه الشباب والفتيات للتسجيل في هذه المنصات والمعسكرات واستغلال أوقاتهم في تنمية وتطوير المهارات والقدرات الرقمية المؤهلة لوظائف المستقبل. نستطيع عندئذ بحول الله تعالى ثم بدعم قيادتنا الرشيدة وبهمة تعانق السماء وخطوات واثقة نحو مستقبلنا الرقمي أن تصبح السعودية «قوة ضاربة في التقنية عالميًا».