نشأ المثقف في بلادنا كما نشأ في بقية العالم العربي من خلال العلاقة المزدوجة بالدولة والحداثة الوافدة. الدولة هي التي كرست شكل المجتمع القائم على المساواة والمواطنة، وبالتالي صاغت فكرة الفرد المرتبط بكيان مجتمعه، والمسؤول عن صورته ومصيره. أما الحداثة فهي التي أوجدت الطبقة الاجتماعية المستنيرة التي تقود المجتمع، وتحدد له وعيه، وتلتزم بقضاياه وهمومه.

في الغرب ارتبطت نشأة الحداثة بفكر الأنوار في نهاية القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر، أي بصورة منتج الفكر الذي يلامس بدقة ووضوح المطالب الكبرى المطروحة في مجتمعه، وفي القرن التاسع عشر تعززت صورة المثقف عبر الصراع الأيديولوجي والاجتماعي الذي كان قائما بين اتجاهي اليمين واليسار.

الفرق الكبير بين التجربة الغربية ومجتمعنا هو أن المثقف في التجربة الغربية الحديثة نشأ في حركة الصراع السياسي ضد الدولة من أجل تحرير الفرد والمجتمع، أما المثقف في مجتمعنا فقد ظهر في سياق مشروع بناء وتعزيز الدولة، وكان السند القوي لها، كما كانت الحليف الموضوعي له.

المثقف والدولة حليفان، يجمعهما هدف مشترك هو تحديث المجتمع وتحرير الفرد من التعصب والجمود والظلامية، ولذلك فإن المكاسب الكبرى في البلد كانت من دفع الدولة وتأييد المثقف.

كان الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، واعيا هذه الحقيقة الكبرى، لذلك قد أحاط نفسه بعدد مهم من كبار المثقفين ورواد التنوير العربي من أمثال أمين الريحاني وحافظ وهبة ورشدي ملحس.

في عصر أبنائه ملوك السعودية، من الملك سعود إلى الملك المثقف صديق المثقفين سلمان بن عبدالعزيز، تعزز حضور المثقف السعودي، وأسندت إليه المسؤوليات التنويرية والاجتماعية التي تناسب تطلعات المجتمع، من تحديث وتحرير للعقول والوعي، وانفتاح على الفكر العالمي.

المطروح اليوم على المثقف السعودي هو مهمتان أساسيتان:

- مواكبة الانتقال الجاري المتسارع من دولة حديثة إلى دولة مكتملة البناء العصري، من حيث هي رائدة الثورة الصناعية والتقنية ومحور الاقتصاد الإقليمي، وإحدى بوابات القوة العالمية. إنه المشروع الذي يشرف عليه ولي العهد الأمين، الأمير محمد بن سلمان، في سعيه إلى أن تتبوأ السعودية الموقع الإستراتيجي والاقتصادي الذي يناسب عناصر القوة والقدرة التي تتمتع بها.

- تدعيم مكاسب التحرر الاجتماعي والفكري التي تحققت في السنوات الأخيرة، من رفع القيود وتعزيز حقوق المواطن، استجابة لتطلعات المثقفين والقوى الاجتماعية الحية في المجتمع.

من يقرأ في التاريخ الأوروبي يجد أن كبار المثقفين كانوا دائما بحاجة إلى حكام مستنيرين، ينصرونهم ويقدرون دورهم المجتمعي، من كبير فلاسفة الحداثة ديكارت في علاقته بالملكة السويدية كرستين، وهيغل الذي راهن بقوة على مشروع نابليون في نهضة أوروبا، إلى الأديب الفيلسوف جان بول سارتر الذي سماه الجنرال ديجول «ضمير فرنسا».

الدولة إذن لا بد أن تحمي ظهر وكرامة مثقفها، فهو حليفها الموضوعي في مواجهة التخلف والتعصب وهو أساس رئيس في بناء الأوطان.