يرتبط دخول أي مؤسسة لتصنيف معتبر ارتباطا وثيقا بسمعتها، ولا أعني بالسمعة هنا ما تقوله المؤسسات عن نفسها، أو ما تقوم به مكاتب العلاقات العامة وإدارات الإعلام من تضخيم للإنجازات أو متابعة لأخبار قيادات المؤسسات، بل السمعة ببساطة هي ما يخبرنا به عملاؤك والمستفيدون من خدماتك عنك عند مقارنتك بآخرين يقدمون نفس الخدمة.

السمعة إذن هي المكافأة التي تحصل عليها خلال سعيك الصادق والجاد للتميز في تحقيق الأهداف بشكل حقيقي وعميق يتجاوز التصريحات أو الاستجابة للأزمات أو التغييرات الشكلية في المسميات والفرق.

هناك معايير كثيرة تسهم في صناعة السمعة من أهمها جودة المنتجات وتفوق الخدمات، ونسبة مشاركة الموظفين في اتخاذ القرارات المهمة، والوعي البيئي للمؤسسة، هذه المعايير وغيرها ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن المسؤول عند التخطيط ورسم الطريق لصناعة السمعة وتحويلها إلى أصل من الأصول التي تمتلكها المؤسسة التي يقودها مما يؤدي مع الوقت والاستمرارية لرفع قيمة المؤسسة ماديا وأدبيا، كما يخلق ميزة تنافسية حقيقية تجذب المستفيدين والمستثمرين وتنمي ولاء الموظفين باعتبارهم شركاء فاعلين في صناعة هذه السمعة والمحافظة عليها.


أدرج الإعلان الأخير لنتائج تصنيف التايمز 15 جامعة من جامعاتنا السعودية⁩ في قائمته، بزيادة قدرها 50% عن العام الماضي. هذا الإنجاز المهم يحمّل الجامعات المصنفة مسؤولية الحفاظ على مكتسباتها والسعي لزيادتها من خلال التجويد المستمر لأعمالها ونتائجها، والتركيز على المعايير التي برعت فيها مع بناء المعايير الأخرى المتصلة بها، كما أنه يحمل الجامعات الأخرى مسؤولية الدخول في المنافسة والاستفادة من تجارب الآخرين لاختصار الطريق، وذلك لكي تستمر رحلة تميز الجامعات السعودية في التصنيفات بتحسين سمعة التعليم الجامعي في الدولة استعدادا للدخول في سوق التعليم المدفوع واستقبال الطلاب الدوليين، فالوصول بحد ذاته ليس نهاية المطاف وليس شأنا محليا يخص الجامعات وحدها، بل هو استثمار نوعي كيفما نظرنا له.

إن دخول أي تصنيف هو خطوة مهمة في مسيرة التميز، فالارتباط بين السمعة والتميز ارتباط وثيق لا يغفله أي قائد يحمل رؤية واضحة يتعدى طموحها سنوات تكليفه ويخطط بواقعية وصدق للتطوير، كما أن القيادة الحكيمة وضعت مستهدفا واضحا للجامعات ضمن رؤية المملكة 2030 وهو أن تصبح ثلاث جامعات سعودية على الأقل ضمن أفضل 100 جامعة في العالم، وباب المنافسة مفتوح على مصراعيه للجميع لتحقيق هذه المستهدفات بالعمل على الجانب الأهم من المعادلة، وهو بلا شك تحقيق رضا المستفيدين من الخدمات الأهم التي تقدمها أي جامعة، متمثلة في البرامج التعليمية، والأبحاث النوعية ذات المخرجات الواضحة سواء للاقتصاد، للصناعة أو للخدمات، ودعم سوق العمل بالمخرجات المتميزة، وتطوير الأعمال.

إن التحدي الأكبر في إدارة السمعة ليس المحافظة على القمة عند الوصول إليها فحسب، بل خلق قمم جديدة لا يراها المنافسون وذلك بالاستشراف الواعي للمستقبل وقراءة البيانات المحلية والدولية نوعيا وكميا. هذا التحدي لا يتحقق بالأمنيات بل يستوجب عملا مؤسسيا واعيا مرنا ذا نفس طويل يربط أدوات التميز المؤسسي بأهداف السمعة المؤسسية ويحمل هم استدامة الأداء الفعال خلال هذه المسيرة.