يعد الحديث بشكل مهذب من السمات الحضارية للبشر، والتي تلعب دورا مهما في التفاعل، وبناء العلاقات الاجتماعية، فالتهذب في الحديث هو وسيلة لاستمرار التخاطب والحوار بين الأطراف، بل هو إحدى أهم الركائز الأساسية التي يلزم توفرها، لعقد المعاهدات والاتفاقيات، سواء الثقافية منها أو التجارية.

أثناء كتابة الخطابات أو المراسلات الإلكترونية، فإن أهمية اختيار الأسلوب الأمثل للكتابة تظهر جلياً، وذلك لانعدام لغة الجسد، التي كان يمكن فهم كثير منها، كتعابير الوجه أو إشارات الجسم في الحوارات المباشرة الشخصية، ولذا فاختيار الكلمات والعبارات المناسبة أثناء الكتابة يعد ذا أهمية قصوى لوصول الرسالة المراد إيصالها.

على الرغم من معرفة أهمية التهذيب في الحديث، فإن هذه العملية تتطلب الإلمام بعدد من المعايير الثقافية والشخصية، بل إن الأمر يزداد تعقيداً إذا كان الحديث أو التراسل يتم بين أشخاص من ثقافات مختلفة، أو دول متباعدة، فعلى سبيل المثال، وبحسب ما ورد في كتاب نشرته مطابع جامعة كامبردج، فإن تكرار استخدام جملة كـ«إذا سمحت» أثناء الحديث، قد يعد تكلفاً في الثقافة العربية، بينما يعد من التهذيب في ثقافات شمال أمريكا.

هناك عدد من الدراسات في مجال الكتابة المهذبة، والتي تتناول هذا الموضوع من جوانب نفسية واجتماعية وغيرها، ولكنه من الجميل أن يكون لعلوم الحاسب محاولات للدخول في هذا المجال البحثي المهم، فقد تم نشر عدد من الدراسات خلال العشر السنوات الماضية، والتي تتناول جوانب حاسوبية متعلقة بدراسة أساليب التهذيب والأدب والإتقان في الكتابة، ومن أحدث هذه الدراسات ما نشرته جامعة كارنقي ميلون (Carnegie Mellon University) الأمريكية، والتي قام فيها الباحثون بدراسة استخدام الذكاء الاصطناعي في قياس مدى التهذيب في النصوص المكتوبة.

يذكر أن الباحثين قاموا بتصميم نظام ذكاء اصطناعي يمكنه تحويل أي كتابة، من نص غير مهذب إلى نص مهذب، وذلك باستخدام خوارزميات تحويل النسق أو السياق، والتي يمكن استخدامها لتحوير النصوص.

يعتمد النظام المطور في جامعة كارنقي ميلون على أسلوب قد يعد سهلا في ظاهره، وهو البحث داخل النص عن أفعال الأمر، ومن ثم استبدالها بمفردات أكثر تهذيباً، ولكن هذه العملية وإن كانت تعد سهلة للبشر، فإنها في غاية الصعوبة على الآلة، وذلك لأنه أولا: فإن كل لغة بشرية تحوي الآلاف من أفعال التي يمكن كتابتها، وثانياً: فإنه يعد من الصعب جداً استبدال هذه المفردات بكلمات أقل حدّة دون أن يتأثر المعنى، وعلى الرغم من هذه التحديات فإن النظام المطور تمكن من تقديم نتائج مبشرة.