لكل مجتمع نظمه وقوانينه التي تحكم أمور حياته، ويكمن الفارق بين مجتمع متقدم وآخر متأخر في كيفية تطبيق تلك النظم والقوانين، وهل هي نافذة على الجميع أم على الضعفاء دون غيرهم. وعندما تكون تلك الأنظمة والقوانين نافذة على الجميع دون استثناء (ولن ينجو منها أحد كائنا من كان) فإن مصير ذلك المجتمع وتلك الأمة إلى خير وازدهار.

عقولنا وخلال سنوات مضت تعيد صياغة المشاهد والتجارب والفترات الزمنية السابقة وتستذكر المفاهيم والأفكار والتي قيدت المجتمع لسنوات، ثم تقارنه بما يحدث حاليًا من انقشاع لغشاء العقل والذي كان مقيدًا بالتشدد والغلو فأصبح قادرًا على إدراك واقع التغيير والتحول والتفاعل معه. ولأننا على الطريق الصحيح فإن معظم ردود الأفعال كانت راشدة وعاقلة واختفت تلك الآراء المشوهة والخاطئة والتي جعلت منا في فترة سابقة مجتمعًا متأخرًا في نظر العالم المتقدم.

المجتمع السعودي حاليًا ينظر إلى التغيير على أنه نوع من الفضائل والمنافع التي يكتسبها، ويؤمن أن المضي قدمًا في تغيير الأمور السلبية هو نوع من الإرادة والقوة التي تحقق أهداف وقيم الرقي للمجتمع.

عملية التغيير التي تشهدها المملكة كانت من خلال التمسك بكل الأفكار والقوانين والسلوكيات التي تساعد في عملية التحول دون استثناءات (لأي أحد كائنًا من كان).

وكما هو معلوم فإن السبب الرئيس لفشل أي تغيير هي تلك الفجوة بين عملية التخطيط للتغيير وبين التنفيذ الفعلي وذلك بسبب المقاومة لكل جديد وهذا أمر تم اجتيازه من خلال الإرادة وخلخلة القيود وامتلاك روح النهوض بعد كل عثرة أو تحدٍ.

ليس هناك ما يعيق عجلة التنمية والتغيير كما يفعل الفساد، ولعل هذا ما استشعرته الدولة، حفظها الله، فبدأت حملة لتجفيف منابع الفساد واستئصال جذوره. يقول ابن خلدون (إن انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم).

كذلك يرى أن وجود بعض المسؤولين قد يكون منبعًا للفساد وذلك عندما يلوون أعناق الأنظمة ويتجاوزونها لتحقيق مآربهم، ويختم قائلا إن المجتمعات لا يصيبها الترهل إلا عندما ينخرها الفساد. ولهذا فإن أفضل طرق النجاح للحفاظ على عجلة التنمية والتغيير هو بالتصدي لكل أوجه الفساد ومحاربة الأنفس الضعيفة من خلال تقوية آلية الرقابة وإزالة كل الحصانات التي تحمي المفسد من الوصول إليه.

ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن الدولة وأجهزة مكافحة الفساد قد قامت بدورها العظيم في محاربة الفساد (ولم تستثن أحدًا)، وتظل مسؤولية المجتمع في مواجهة الفساد ومحاربة أسبابه وأشخاصه. فالمجتمع له دور كبير في تعزيز دور الأجهزة الرقابية ومساعدتها في محاربة منظومات الفساد في مختلف القطاعات.

كما على أجهزة التعليم التركيز على غرس مفاهيم الإخلاص والوطنية والنزاهة في نفوس الأجيال وأن هذه المفاهيم الثلاثة هي من أهم ركائز المجتمع الراقي ومن أهم سبل تحسين جودة المجتمع. كما علينا توعيتهم أن الفساد لا يولد إلا من التخلف والتستر وعندما لا يكون الوطن أولا.