في الـ15 من سبتمبر من كل عام يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي للديمقراطية»، الذي جاء استجابة ‏‏لقرار اتخذته ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة، ‏‏ودعت فيه الدول الأعضاء ومؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ‏والإقليمية ‏‏وغير الحكومية والأفراد‏ إلى تعزيز مبادئ الديمقراطية وتوطيد أركانها، باعتبارها ثقافة وفكر وأسلوب ‏حياة، يوفر لهم هامشا كبيرا من الشفافية وحرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان، والالتزام ‏بقيم المساواة ‏والعدالة ‏الاجتماعية، وتعزيز سيادة القانون، وإقرار مبدأي ‏الشفافية ‏والمحاسبة، واعتماد قاعدة المواطنة، ‏بصفتها عناصر أساسية للديمقراطية، وهي القيم ‏التي بشّرت بها الأدبيات ‏العالمية للديمقراطية، وتبناها مفكرون ومصلحون، وعملوا على ‏ترويجها والإعلاء من شأنها، وفقا للشكل ‏المناسب الذي يسهم في إذكاء الوعي ‏العام بهذه القيمة النبيلة، التي تنظر لها خطة ‏التنمية ‏المستدامة 2030 من منظور ‏الهدف السادس عشر، باعتبارها لبنة أساسية في تطور المجتمعات، وتحقيق التنمية ‏البشرية ‏فيها على مختلف الأصعدة، وبدونها لن يتحقق أي تطور أو رفاه لها، وستبقى تعيش متقوقعة، غير قادرة ‏على تطوير نفسها أو استغلال ميزاتها خاصة.‏

وعلى الرغم من أن الاحتفال بهذا اليوم يبدو للوهلة الأولى مناسبة ‏سياسية بحتة، تتذكر ‏فيها الأمم والشعوب ما وصل إليه حال الديمقراطية في بلادها، وما قدمته البشرية ‏من تضحيات في مسيرتها نحو تحقيق ‏العدل والمساواة والرخاء عبرها، مما ‏يتيح أكبر قدر من الحرية أمام الأفراد والجماعات في كل مجتمع للمشاركة في تقرير ‏ما يناسب تطلعاتهم، وتحقيق أهدافهم في الحاضر والمستقبل، فإنها أيضا ‏مناسبة تحتفي فيها كثير من ‏‏المجتمعات بالديمقراطية كثقافة وأسلوب حياة، فهي ‏مفهوم اجتماعي وثقافي ‏وفكري وفني وإبداعي، لا ‏ينحصر فقط في السياسة وحساباتها الصعبة وتشعباتها ‏المختلفة، بل يشمل جميع ‏مناحي ومجالات الحياة، خاصة الاجتماعية. ‏في هذا السياق، يقول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي: «ليست الديمقراطية شكلا من الحكم ولا نفعية اجتماعية، ‏ولكنها علاقة مجازية بين الإنسان وتجربته في الطبيعة»، أي أن هذه العلاقة الديمقراطية بين الفرد والطبيعة والمحيط الاجتماعي ‏هي التي تجعله فردا مسؤولا عن نفسه أولا، وعن محيطه ثانيا. وبهذا المعنى، فإن دراسة الديمقراطية بمعزل عن ‏البُعد السياسي ستؤهل المجتمع بأفراده وجماعاته لا محالة إلى فهم أبعاد الديمقراطية الإنسانية، ومن ثم تحويلها إلى سلوك يومي، يبدأ من داخل البيت ‏مع الذات والأسرة، ليصبح ثقافة يومية عامة، تمارس في التعامل مع الآخرين بالمحيط الخارجي.

لو تحدثنا عنها بخصوصية تناسب قيمنا كمجتمع، وتلامس ثقافتنا نحن، لوجدنا أن الدين الإسلامي اعتبر أن الديمقراطية من أهم الركائز التي جعل البناء الاجتماعي يقوم عليها (وأمرهم شورى بينهم) الشورى 38، (وشاورهم في الأمر) آل عمران 159.

حتى في شأن الخلافات بين الزوجين، كان للديمقراطية حضور (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) البقرة 233.

«الشورى» كأسلوب حياة حثنا عليه ديننا الحنيف، أو الديمقراطية بمصطلح عالمي، وهي أساس نجاح الأنظمة السياسية والاقتصادية، ونجاح الدول والمجتمعات بشكل عام، وهذا النجاح لن يتحقق ما لم تكن هناك ديمقراطية اجتماعية، يتربى عليها الأفراد ليطبقوها في جماعات المدرسة والعمل، والحياة اليومية في الأسرة، وبين الأصدقاء، وبين المسؤول والموظف، والمدير والمعلم، والأسرة فيما بين الأزواج، وبالتالي بينهم وبين أبنائهم، وهذا لن يتم ما لم نؤمن أن الديمقراطية منهج حثنا عليه ربنا سبحانه وتعالي. ومن هذا المنطلق، ندرك ونعي عمق المعنى، ونصل إلى مكنونه الحقيقي، بحيث نكون بمهارة كافية لتطبيق الديمقراطية في كل تفاصيل حياتنا، صغيرها وكبيرها، بدءا من البيت باعتماد أسلوب النقاش والتشاور بين أفراد الأسرة، بغض النظر عن الأعمار والأدوار، قبل اتخاذ أي قرار، ثم توسيع دائرة الديمقراطية، لتكون أسلوب ومنهج حياة، نتعامل به مع الجماعات الصغيرة المتعددة في حياتنا الاجتماعية المتشعبة خارج أسوار المنزل دون تعصب لرأي أو فكر أو معتقد أو دين أو عرق أو جنس، لينعكس ذلك حتما وبإيجابية على تعاملاتنا الرسمية، فنصبح مجتمعا منفتحا يتسم بالديمقراطية، قادرا على استيعاب كل الأجناس، واحترام كل المعتقدات، وقادرا على ملامسة الواقع، ومواجهة تحدياته بثقة ومرونة وتجانس، يربط بين كل فئات المجتمع وقطاعاته برباط من ديمقراطية، يفوح عطرها في كل مجالاته.