في أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع، وتحديدا يوم الخميس، أو كما يلقبونه بالخميس الونيس، وقد يكون الطعام وطريقة تقديمه أحد عوامل الأنس، في هذا اليوم الحافل بالمسرات، وأصحاب مطاعم الشاورما والبرجر، يدركون أهمية هذا اليوم وطبيعته الفرايحية عند عامة الناس، فقرروا أن يضيفوا مزيدا من الأنس، من خلال تقديم قائمة طعام يتخللها شيء من الكوميديا وخفة الدم، كون هذا اليوم يشهد إقبالا أكبر على مطاعم الفاست فود.

اجتمعت بأصدقاء الطفولة في منزل أحدهم، وقررنا في نهاية اجتماعنا الميمون في هذا الخميس المبارك، أن نلبي نداء الطبيعة ونطلب وجبة العشاء من أحد تطبيقات التوصيل، وكون البرجر أصبحت وجبة تعبر عن روح العصر، وسطوة العولمة وتغولها، أشار بعض الزملاء بالطلب من أحد المطاعم، التي تقدم التشكن برجر والسبايسي برجر والرويال تشيكن برجر، ومن كان بطنه خاويا فعليه بوجبة تربل مشروم آند سويس، أو وجبة ستيك هاوس ديلوكس، ويضاف ريالان ليتمتع بوجبة دبل تشيز برجر. هكذا هي مكتوبة في قائمة الطعام باللغة العربية في تطبيق التوصيل.

دخل أحد الأصدقاء على الخط، ممن يعانون من أمراض القولون والسمنة، بسبب إفراطه الشديد بتناول الفاست فود، فأعطى توصية أخوية بمطعم، يعتني بجودة الطعام ويقدم التشيكن تورتيلا، والهوت دوج مع الفاهيتا ويضاف لها الباربكيو صوص حسب الطلب، أو تشيكن ناجيتس مع السبرونج رول وبطاطس ويدجز الشهية، وهناك عرض ميني بوكس الدبل راب مكس، أو شيش طاووق راب مع شكولاته النوتيلا أو وافل النوتيلا. وجميعها وجبات مكتوبة بالحرف العربي المسكين في قائمة الطعام، التي أعدها خفيف الظل صاحب المطعم أو مستشار تسويقي، يتمتع بحس عادل إمام الفكاهي، لأن دعاية الأكل لا بد أن تقدم بطابع كوميدي، لأن الروح مرتبطة بالبطن في عالم الوجبات السريعة، فإذا انبسطت الروح فالبطن ستنفتح شهيته ويطلب المزيد من الطعام، كما يعتقد خفيف الظل «معد قائمة الطعام».

شعرت بأن الحرف العربي سيصاب بانفصام في الشخصية، والعربية تبكي في الزاوية مع هذا الكم الكبير من الطلاسم الغذائية، فقررت أن أدلي بدلوي تضامنا مع اللغة العربية، فقمت بفتح حسابي في تطبيق التوصيل، واقترحت تناول الشاورما بديلا للبرجر، فالشاورما على كل حال لها جذور شرقية، مما يخفف قليلا من وطأة العولمة المنضوية تحت لواء مطاعم البرجر. العملية أصبحت صراعا ثقافيا بين البرجر والشاورما، ولكن يبدو أن الشاورما أيضا دخلت عالم المعاصرة والتحديث، وفقدت شيئا من أصالتها المعهودة وتنكرت لماضيها العريق.

دخلت أول مطعم للشاورما صادفني في التطبيق، وتفاجأت بالشاورما بنت الأصول تلبس لباس الغرباء، وجدت في قائمة الطعام الأوصاف الجديدة للشاورما: شاورما دبل هاتريك وشاورما تيكي تاكا، وشاورما دبل سبايسي وذ تشيز وشاورما كنج، وشاورما كلاسيك وشاورما إكسبرس، وأصبحت تقدم مع صلصة الرانش وأصابع الموزاريلا والكرسبي فينقرز، وفطائر السوبريم ويضاف لها إكسترا تشيز وباربكيو صوص، ومن المضحكات المبكيات أن الشاورما صار يطلق عليها كاساديا وكاساديا بلس في المطاعم الهاي كلاس، ويبدو أن الشاورما تتعرض لانتهاك ثقافي صارخ يسلخها من جذورها الشرقية، ويصبغها بأصباغ العولمة المتغولة في كل شيء، حتى في مطاعم الشاورما، وهذا الأمر يتعارض مع ظاهرة التعددية الثقافية، التي تبشر بها العولمة، والمشكلة أن قائمة الطعام المذكورة آنفا مكتوبة باللغة العربية.

وكل هذا يهون أمام شاورما شطشويش، اسم لامع في عالم الشاورما صادفته في أحد عروض مطاعم الشاورما، ويبدو أن المستشار التسويقي فضلا عن مهاراته التسويقية وخفة ظله، له باع طويل في عالم الروحانيات، ولا بأس هنا، فالصراع الثقافي المحموم بين الشاورما والبرجر، يتطلب قليلا من الموازنة في عملية التثاقف والمثاقفة، كون اسم شطشويش يوحي بعالم السحر والمردة والفنتازيات، التي اشتهرت بها الحضارات الشرقية، فوطأة العولمة والأمركة في شطشويش، أقل نسبيا من شريمب ديناميت أو فرايد تشيكن فينقرز.

شطشويش يذكرك بعالم الشرق الساحر، وحكايات شهرزاد وألف ليلة وليلة، وبالمناسبة أكلت في أحد المطاعم وجبة شريمب ديناميت - مكتوبة هكذا بالعربي - وأعطاني موظف المطعم مناديل معطرة مكتوبا عليها «ما بعد البربسة» ومستشار التسويق طبعا يقصد بهذه العبارة «ما بعد الأكل» ولكن الحس الكوميدي والظرافة عند المستشار التسويقي، يتطلب الدعابة والنكتة مع زبائن المطعم، لرفع الكلفة والتخفيف من حدة العلاقة النفعية بين التاجر والمستهلك. وحتى لا نسيء الفهم، فالمستشار التسويقي خفيف الظل لم يقصد قط بأن الزبون «راعي بربسة» حاشا وكلا، ولكنها مجرد دعابة بريئة «رغم سماجتها» تتطلبها نظريات التسويق الحديثة، التي تربط بين عاملي الروح والبطن.

وبعد الشد والجذب مع الأصدقاء الأعزاء، قررنا بالإجماع أن نبتعد عن البربسة بأشكالها كافة، وكما يقول الفنان رابح صقر «خميس ومالي خلق أزعل» لذا ابتعدنا عن الزعل وقمنا بتوجيه البوصلة تجاه الشرق، تجاه مطاعم المضبي والمندي والمضغوط، وهذه العبارات رغم خشونتها الدلالية، وارتباطها بالصحراء وقسوتها، فهي على أقل تقدير ما زالت تذكرنا بسحر الشرق وبراءته. ومع شرقيتها المفرطة ظلت وجبة التيس المضبي ومضغوط الحاشي، تنافس كل الوجبات السريعة القادمة من بلاد ما وراء المحيطات، بما فيها الشريمب ديناميت وشاورما الشطشويش.

ملاحظة قبل الختام: جميع الوجبات الغذائية المذكورة في المقال، والأحداث المصاحبة من وحي خيال كاتب المقال، وأي تشابه بينها وبين وجبات غذائية حقيقية، هو من قبيل المصادفة بما فيها شاورما العم شطشويش.