أخيرًا رفعت الولايات المتحدة السرية عن (16) صفحة من تقارير التحقيقات التي أجرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عام 2016 حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي كان بعض الواهمين يأملون أن تحتوي على تأكيد أكاذيبهم بوجود صلة بين السعودية ومن نفذوا الهجمات، ولكن خاب فألهم وتحطمت أوهامهم على صخرة الحقائق الدامغة التي أكدها التقرير، وأن السعوديين (حكومة ومسؤولين) أبعد ما يكونون عن التورط في تلك الهجمات المتطرفة التي أساءت أولا للإسلام والمسلمين والعرب. لذلك ارتدت سهام الكارهين الذين كانوا يحاولون ابتزاز المملكة إلى صدورهم.

بدءًا ينبغي الإشارة إلى أن السعودية هي التي طلبت مرارًا وتكرارًا رفع السرية عن الصفحات التي حجبتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وأن هذا الطلب وصل أحيانًا درجة ممارسة الضغوط الدبلوماسية، لسبب بسيط هو أن الرياض تعلم تمامًا براءتها من تلك الترهات التي ظل يكررها كثيرون من عناصر مافيا التعويضات الذين كانوا يظنون أن بإمكانهم ابتزاز السعودية للحصول على المال.

ولأن المملكة دولة قانون في المقام الأول وتتمتع بالشفافية والمؤسسية ومطمئنة تمامًا لسلامة موقفها فقد تحدت كافة الأصوات النشاز أن تثبت أدنى صلة لأي من مسؤوليها بتلك الهجمات، ولم تخضع لكافة محاولات الابتزاز لأنها لم تعهد سوى الخضوع لله سبحانه وتعالى وحده.

الرياض لم تكتف خلال العشرين سنة الماضية بانتظار تبرئة ساحتها من الأكاذيب، بل قدمت خدمات جليلة للجانب الأمريكي قادتهم لمعرفة الحقيقة، وساعدت عناصر الـCIA والـFBI وقدمت لهم من المعلومات ما لم يكن بحوزتهم. بل إن البنتاجون اعترف رسميًا بقيمة تلك المعلومات وبالدور السعودي الكبير في محاربة الإرهاب والتطرف حول العالم.

وبالعودة إلى فترة الهجمات الإرهابية نجد أن إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن سارعت فورًا إلى تجميد كافة الأموال السعودية في الولايات المتحدة، حتى انجلاء الموقف واتضاح حقيقة الموقف السعودي. واستمر ذلك التجميد فترة قامت فيها وزارتا الخزانة والدفاع الأمريكيتين بإجراء تحقيقات موسعة حول مصادر تمويل الهجمات، وعندما تكشفت لها الحقيقة قامت فورًا برفع التجميد عن الأموال والاعتذار ضمنيا للسفير -آنذاك- الأمير بندر بن سلطان.

الأدلة التي برأت ساحة السعودية يعضدها موقف السناتور الديمقراطي السابق، بوب جراهام، رئيس لجنة التحقيقات في الهجمات، والذي كان معروفًا بمواقفه السالبة من المملكة وقضايا المنطقة العربية بشكل عام، حيث اضطر للاعتراف علنًا في كتابه الذي صدر عام 2004 بعنوان (للاستخبارات أهمية) بأن اللجنة لم تجد أي خيط يربط بين السعودية والمسؤولين عن تلك الهجمات.

كل تلك المواقف لم تكن كافية لإسكات أتباع الأوهام، الذين أدمنوا ترديد الأكاذيب وإطلاق الإشاعات، لأهداف معلومة وواضحة لدى المتابعين. لذلك وحتى تسكت تلك الأصوات إلى الأبد سارعت المملكة إلى الدعوة مرارًا بكشف كافة التقارير السرية، وأعلنت رفضها لمحاولات الابتزاز الكثيرة والمتعددة التي وصل بعضها إلى تقديم مشاريع قوانين للكونجرس لإدانة المملكة مثل قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) المعروف اختصارا باسم (جاستا)، لكنها تهاوت سريعًا كفقاعات الصابون لافتقادها لأي سند حقيقي.

ولأن الولايات المتحدة مشهورة بما يمكن أن نطلق عليها (مافيا التعويضات) التي يشارك فيها محامون عاطلون وشركات تأمين فاشلة، فقد سعى هؤلاء إلى محاولة إدانة المملكة وحصلوا على توكيلات من بعض ذوي ضحايا الهجمات، ورفعوا دعوى في محكمة مانهاتن تضمنت مذكرتها 4 آلاف صفحة من الأكاذيب. لكن المحكمة رفضتها في يناير 2018 بحزم وأوصت بشطبها بعد أن افتقرت إلى أي دليل مادي ملموس.

قال قاضي المحكمة، جورج دانيلز، في حيثياته إنه لا مسوغ قانونيا لتحميل الرياض وزر كل هجوم إرهابي لتنظيم القاعدة، لأن عناصر التنظيم من كل جنسيات العالم وليسوا سعوديين فقط. ولم يكتف برفض الدعوى وشطبها، بل وصفها بأنها محاولات ملفقة ومفبركة ومجرد قصص وشائعات يتناقلها البعض وحاولت مافيا التعويضات الترويج لها وإكسابها صفة قانونية. ودعا شركات التأمين وأسر الضحايا إلى التوقف الفوري عن توزيع الاتهامات دون وجود أي دليل حقيقي.

لذلك كان التقرير الأخير بمثابة لطمة مؤلمة على وجوه تجار المساومات الرخيصة، لأنه أفقدهم آخر خيوط السراب التي كانوا يتمسكون بها، وتكمن المفارقة التي أذهلت هؤلاء في أن الصفحات التي كانوا يعولون عليها احتوت على معلومات وحقائق بددت حتى «الشبهات» التي كانت موجودة في التقارير السابقة التي تم نشرها منذ 20 عامًا.

الآن عادت الكرة إلى الملعب السعودي، وأرى ألا نكتفي بالوقوف في خانة الدفاع، بل بأيدينا من الأدلة ما يحولنا بكفاءة تامة إلى موقف الهجوم، وأن نتقدم بشكاوى عاجلة ضد كل من يحاول تشويه صورتنا أو ينسب إلينا مسؤولية الهجوم الإرهابي. ففي القانون الأمريكي وسائر القوانين الدولية مواد واضحة تضمن عدم تشويه السمعة أو تقديم الدعوات الكيدية، وتحفظ الحق للجهات التي تتعرض لذلك للمطالبة بتعويضات تتناسب مع الضرر الذي يلحق بها.

بذلك نوقف بشكل نهائي محاولات الابتزاز، لأن كل من يحاول القيام بنفس الخطوة سوف يفكر ألف مرة قبل الإقدام عليها، وبذلك نوقف تلك المحاولات اليائسة. لا ينبغي أن نسكت أو نغض الطرف عن أي محاولات إساءة أو اتهامات جوفاء، ففي هذا العصر لا يكفي أن تكون بريئًا، بل من الضرورة أن تمتلك أسباب القوة التي تدافع بها عن براءتك وتخرس المتطاولين.