ضيف حضر دون دعوة ولا سابق إنذار! استيقظ ذات الصبح وقد اعتزم النية أن يحيا ولكن ليميت! ضيف لتراه لا بد لك من وضعه تحت المجهر فهو لفرط حضوره يتعالى أن تراه بالعين المجردة، ضيف منذ طرق الأبواب استثقلت دقاته وزلزل العالم اقتصادياً، صحياً واجتماعياً.

جاء متأهباً لحرب البشرية ولكنه أعزل! لا صوت له ولا لون ولا رائحة، يأتي مستتراً بحمى أو متدرعاً بضيق في التنفس صوته سعال لا تفرق بينه وبين كونه عارضاً لشيء عالق بالحلق ليقول أنا هنا!

ضيف لكن غير مُرحب به، والبعض يقول ليته لم يأت- لكننا ولله الحمد نعلم أن رب الخير لا يأتي إلا بخير.

مذ ظهر والعالم في استنفار دائم ومستمر لمجابهته، تدابير وقائية، لقاحات.

صراع مستميت على البقاء، وفي المقابل صراع مستميت للقضاء عليه!

يتحول ويتطور لمجابهة كل ما يستصنع في سبيل القضاء عليه.

لكن لم لا نسأل أنفسنا ألهذا العدو الضيف ما يشفع له؟! يُقال إن لكل عذر وإن لم يقل، أيكون له عذر وإن كان لا نسمع ولا نرى!

أيعقل أننا في حربنا معه لم نر له حسنات أو على الأقل حسنة واحدة! قد يرى البعض أني أهذي وأني لا أعي حجم الكارثة العالمية «كورونا» وأن نعته بضيف ضرب من الجنون، لكن لنقف ودون تحيز ونسأل أنفسنا، ماذا قدم لنا مُقابل ما أخذ منا؟! وهل قدم لنا شيئا؟!

استحضار النعم استشعار الصحة أو ليست تحسب له؟! تعودنا النعم فباتت من المسلمات لنقل إنه جاء مذُكر لقيمة الحياة زارع الرغبة للبقاء بعد أن كنا نتعامل مع الحياة بملكية دائمة وكأننا تناسينا أنها رحلة، وأن لكل أجل كتاب، نعلم ولا يستوقفنا علمنا ولا ينفعنا بشيء إلا أننا نهدر المزيد من الوقت والحياة التي لن تتكرر ونعوذ بالله تعالى أن نكون ممن يقول: «وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين»، سورة المنافقين.

الحياة رزق، الصحة رزق، والشباب رزق، ألا يُحسب له هذا التذكير؟!

حتى في العادات الاجتماعية والسلوكيات الفردية كان للضيف غير المرغوب به بصمة لا ينكرها عاقل، أفراحنا باتت أقل تكلفة وأتراحنا باتت أكثر خصوصية.

استعراض الفرح والحزن وهزلية بعض العادات التي تحيل الأفراح لمهرجانات لا تسمن ولا تغني من جوع إلا أنها تستهلك المجتمع معنوياً ومادياً ليتكلف فوق طاقته ليجاري السبق المجتمعي ببذخه الفاره، والحزن لا يقل عنه، ليستحيل الموت لمناسبة اجتماعية الداخل فيها كالخارج منها ولا تملك إلا مواكبة الركب في حزنك وفرحك! ألا يُحسب له هذا التغيير؟!

حتى على المستوى الفردي كان له حضوره تخلينا عن أكثر ما كان يؤرقنا لأننا أدركنا أن الحياة أقصر مما نظن، وأن هناك أولويات هي الأولى بنا وبأوقاتنا، إلا يُحسب له هذا التغيير؟!

قد لا يوافقني كثير في ما أقول لكن أجزم أن هناك من سيوافقني لنغرد خارج السرب ونستشعر نعمة الله في هذا الضيف غير المرغوب به «كورونا».