91 عيدا وطنيا مرت على وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية، منها ما يصنف أعواما، ومنها ما يصنف سنوات. أعوام تمتعنا فيها بالدعة والرخاء، وسنوات واجهنا فيها معًا، حكومة وشعبًا، الشدة والضيق. كنا في الشدة كما في الرخاء: الهم الأول والانهمام كله هو الإنسان السعودي.

بدأت فكرة تكوين إنسان سعودي متميز مع المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، وكانت الخطوة الواسعة لهذا الأمر العظيم حينما قام الملك عبدالعزيز بتآلف وتأليف الأعداء المشاكسين من أهل الجزيرة، فحولهم من خصماء، يطلب دماءهم ويطلبون دمه، إلى سواعد بناء ودعائم انطلاق له، ولدولته الفقيرة والناشئة، ثم ما فتىء المؤسس العظيم أن استعان بخبرات نابهين آخرين ينتمون إلى جغرافيا أخرى، وثقافات مختلفة عن جزيرة العرب، ومختلفة عن طبع العربي، وكان من عبقريته السياسية أن جنب دولته، التي كانت في طور التأسيس والإنشاء، الخوض في التحالفات الدولية التي قد تودي بمشروعه الكبير، الذي سيسهم في تغيير وجه العالم، سياسيًا واقتصاديًا، في عقود قادمة، فاتخذ موقف الحياد في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، إذ لم يعلن الحرب على الدولة العثمانية، ولم يحارب في الوقت نفسه مع الإنجليز، مما جعل الفريقين يتنافسان على كسب وده، وهذا ما جعله أكثر الرابحين بعد انتهاء الحرب، فسلم من الاحتلال وسيطرة الأجنبي على بلاده، ولم يتحكم أحد في مصير شعبه ومواطنيه، وصان كرامتهم وعزتهم من امتهان المحتل وتحكمه؛ ليبقى الإنسان السعودي فريدًا متفردًا.

واصل جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، الأمر من بعد أبيه، واضعا نصب عينيه أن الإنسان السعودي ووطنه العظيم، قبلة الإسلام، يجب أن يظلا الأول، فأحدث نقلة حضارية كبرى على مستوى التحديث، الذي نقل فيه وضع السعودي من حال إلى حال، وكانت المرأة حاضرة بقوة في قرارات ذلك العهد الميمون.

وفي عهد جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، انطلقت الأمة السعودية، فاتحة قلبها لأمتها العربية والإسلامية، لتأخذ مركز الصدارة في قيادة مختلف القضايا والشؤون. وبهذا، حجز الإنسان السعودي موقعه الريادي بين الأمم. وكانت من أهم منجزات ذلك العهد الزاهر الخطة الخمسية الأولى، التي كان من أهم مرتكزاتها تطوير الموارد البشرية، لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة إسهامها الإنتاجي، وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية.

وما أن أظل السعوديين عهد جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، حتى انتقل الإنسان السعودي إلى طور جديد من الرقي والتحضر، فتوسع في ذلك العهد الميمون التعليم العالي، وحدثت عمليات توسع كبيرة في التعليم العالي للبنات، بالإضافة إلى افتتاح العديد من المدارس الخاصة بالبنين والبنات، وأنشئت بنوك التنمية الزراعية والصناعية والعقارية، لإقراض المواطنين دون فوائد. كما توسعت الدولة في المشروعات السكنية والمِنح للمواطنين، مما كان سبيلًا لنقل المواطن السعودي من الهم الضيق، المتمثل في المسكن أو المأكل، إلى هم البناء الحضاري، وريادة الحداثة بلا عوائق معيشية.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، واصل الإنسان السعودي المسير في التقدم والتطور، لتظل مكانته كما هي في ازدياد مطرد، وكان الإنسان السعودي أهلًا لهذه المكانة. ولعل أول ريادة على المستوى العربي والإسلامي للفضاء، التي تمثل رمزية كبيرة لهذه المكانة، حينما انطلق الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز إلى الفضاء، في 17 يونيو 1985، في مهمة فضائية بالمكوك «ديسكفري»، التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). ومكث الأمير سلطان في الفضاء 7 أيام وساعة واحدة و38 دقيقة، ليكون أول رائد فضاء عربي مسلم، وينتقل بالعرب والمسلمين من مرحلة مراقبة التقدم في مجال الفضاء إلى المواكبة والمشاركة في هذا المجال.

بينما شهد عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في 11 نوفمبر 2005، بعد مفاوضات استمرت 12 عامًا، ليعطي بعدًا مختلفًا للوطن. كما شهد ذلك العهد الميمون استحداث برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، الذي بدأ في 2005، واستمر 5 أعوام، ثم تم تمديده إلى 5 أعوام أخرى بدءا من 2010. وشهد عهده أيضا قرار إدخال المرأة في مجلس الشورى كعضو، وترشحها وترشيحها للمجالس البلدية، مما يعد من أهم القفزات التي قفزت بالإنسان السعودي.

وفي أولى ساعات صباح الجمعة في الثالث من ربيع الثاني 1436، الموافق 23 يناير 2015، تمت مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، أيّده الله، ليبدأ عهد من القوة والعزم والحزم في نقل الإنسان السعودي إلى أقصى مدى يمكن أن يصل إليه مواطن عربي أو مسلم أو عالمي. وكانت السمات الأبرز في هذا العهد الميمون، التي أثبتت بما لا يدع مجالًا لمغرض أو خائن أن المواطن السعودي أولًا، وأنه في قلب الملك وروحه:

أولًا: إطلاق الرؤية الحلم (رؤية المملكة 2030) كخارطة طريق لمستقبل أفضل لكل من يعيش في هذا الوطن الطموح.

ثانيًا: تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع، وما زالت التطورات في مجال المرأة السعودية تدهشنا بالجديد كل يوم.

ثالثًا: القضاء على الفساد واجتثاث جذوره في ملحمة وطنية جليلة، حفاظا على المال العام، وحماية للمكتسبات الوطنية، في سبيل بناء مواطن ووطن متميز.

أخيرًا.. شعب عظيم حباه الله بملك عظيم، وولي عهدٍ عظيم، ووطن عظيم، فلا غرو أن يكون أولًا.