لم يكن سكان كوكب الأرض يحلمون أن تتوفر حاجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب والملبس والمركبات بكل هذه السهولة كما هي اليوم، بعد أن كان معظم سكان العالم قبل عام 1932 - وهو العام الذي تأسست فيه المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)- لا يملكون أبسط وسائل العيش الكريم.. لقد كان العالم يعيش أزمة حقيقية في النصف الأول من القرن الماضي. بين حرب عالمية أولى وثانية قضى فيها أكثر من 8 ملايين إنسان وتشرّد أكثر من 100 مليون من الرجال والنساء والأطفال معظمهم في أوروبا وآسيا جرّاء الحروب الغربية المتعجرفة. لقد كان الغرب يتنافس على الموارد والنفوذ الاقتصادي الشحيح والوسائل المتواضعة على الرغم من تزايد الرغبات الحكومية العالمية في التطوير والبحث، لكن معظم الأبحاث حينذاك كانت منصبة على التطوير العسكري والتسلح بهدف الاستيلاء على الموارد وتوسيع النفوذ مستغلة ضعف بعض الدول كما كان الحال مع ألمانيا النازية.

وبنفس الفلسفة اصطنعت بريطانيا العظمى وفرنسا حروب الأفيون قبل ذلك بقرن، حيث كانتا تتطلعان لبيع وتوزيع الأفيون على الصينيين بهدف الربح الرأسمالي دون أدنى اعتبارات إنسانية وأخلاقية. واستمرت الدولتان بعد الحرب العالمية الأولى لتستعمرا كثيرًا من مناطق آسيا وإفريقيا بهدف استهلاك مواردها.

لقد كان من المتوقع أن تستمر تلك الكوارث الإنسانية والنظام القائم على أنقاض المدرسة الوستفالية السياسية حتى الآن بعد أن عانت أوروبا حروبًا طاحنة لأكثر من 350 سنة غيّرت ملامحها ونفسية شعوبها وذاكرتها العاطفية والثقافية.

لقد كان القدر يخفي في ملامحه بروز قوة عربية اقتصادية صاعدة هي المملكة العربية السعودية، والتي كانت بعيدة عن الأطماع بسبب صحراويتها القاحلة، لكنها مشيئة الله، فمنذ توحيدها أخذت السعودية على عاتقها إمداد العالم بالنفط والبتروكيماويات لتفتح المجال لكثير من الاقتصادات في العالم للعمل، ولكثير من التطبيقات الحياتية لتصبح واقعًا بدءًا من الأسمدة الزراعية وتغذية الكهرباء والمنسوجات القماشية والملابس والقطن الصناعي ووسائل السلامة والأحذية والحقائب وأجهزة الهواتف الذكية ورقائق الألواح الضوئية، وفي كل الأجهزة تقريبًا، والمباني الشاهقة والسيارات والطيارات خفيفة الوزن والسريعة في ذات الوقت ووقود السيارات ووقود الطائرات وتطبيقات الأدوية والأجهزة الطبية وأخيرًا الدرع الأول لمواجهة جائحة كورونا وهي الكمامات التي تصنع من مواد بتروكيميائية معظم مصادرها من السعودية. بدأت القصة عندما كان الملك المؤسس مشغولًا بتوحيد هذا الكيان العظيم، لم ينس في عمق انشغاله أهمية أن يكون لدى الدولة مورد مهم لمصادر الطاقة في البلد أولًا ثم للعالم أجمع، على الرغم من وجود بعض الدول في ذلك الوقت تنتج النفط بكميات بسيطة. أدى هذا البحث الحثيث لتوقيع أول امتيازات التنقيب النفطية بين الملك عبدالعزيز والشركة البريطانية الشرقية العامة عام 1923 قبل اكتمال رحلة التوحيد، وذلك للبدء بالتنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية السعودية. واستمر هذا الامتياز لمدة خمس سنوات دون الوصول لنتيجة مرضية.

وبعد أن أعلن الملك عبدالعزيز توحيد المملكة العربية السعودية في العام 1932 اتفاقية الامتياز الثانية مع شركة أمريكية هي شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) عام 1933 حيث نجح هذا الامتياز في إعلان بئر الدمام-7 (بئر الخير) بئرًا لإنتاج النفط بكميات تجارية تلاه تأسيس أكبر شركة نفط في العالم حاليًا وهي شركة أرامكو السعودية التي بدأت تتحول منذ ذلك الحين إلى ملكية سعودية تدريجيًا حتى العام 1980.

حاليًا تنتج المملكة تقريبًا ما يعادل %50 من النفط في العالم غير الأمريكي، وتضخ معظم نفطها الآن إلى الصين حيث بلغ إجمالي الصادرات النفطية السعودية إلى الصين أكثر من 7 مليارات برميل منذ بداية العلاقات الرسمية بين البلدين، وقد ارتفعت واردات الصين من النفط السعودي لمتوسط 2 مليون برميل يوميًا خلال الأشهر التسعة الأولى من 2021، وهو ما يمثل %25 من احتياج الصين اليومي من الطاقة. والصين تمثل ربع سكان العالم. أما ثلاثة أرباع العالم الآخر فالسعودية تمثل له نسبة معتبرة من الواردات النفطية، على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية تستورد %8 من احتياجها النفطي اليومي من السعودية، تليها الهند بنفس النسبة، ثم اليابان وكوريا وهولندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا بنسب تتفاوت بين 7-%30 من احتياجاتها النفطية.

إن المملكة تقود العالم ليس فقط في مجال النفط، وهو الذي غيّر حياة العالم ككل وصنع لهم وسائل حياة أكثر راحة وأمانًا، بل إنها تقود العالم الآن في تقنيات التقاط الانبعاثات الكيميائية والكربونية التي تلوث كوكب الأرض وترفع درجة حرارته، كما أن السعودية تعد ضمن أهم ثلاث دول في العالم في إنتاج الهيدروجين، وستحتل بحلول 2025 المركز الأول في إنتاج الطاقة النظيفة غير الملوثة وهي مبادرات تولّت المملكة قيادتها أثناء ترؤسها قمة العشرين العام الماضي في الرياض. وبخلاف البوليمرات والراتنجات والأسمدة والحديد والمعادن والمنتجات الغذائية، ينتشر مصحف مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في كافة أصقاع المعمورة تعبيرًا عن رسالة السلام الخالدة، رسالة القرآن العظيمة لمحمد صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وها هي السعودية تسير على خطى النبوة وقمة الحضارة والمجد كلؤلؤة اقتصادية وكدولة عظمى متصدّرة بروح عظيمة وحدّها الله ثم جهود الملك المؤسس ورجاله وأبنائه ملوكنا البررة من بعده. وهي الآن تسابق الزمن بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤيتها المباركة لتصبح دولة منتجة للتقنيات والابتكار وقيادة قيم الإنسانية والسلام والتسامح والكرامة وقيمة الإنسان بالأسلوب الإسلامي الوسطي المعتدل الذي يقبل بالجميع في الخير ويحفظ للناس كرامتهم ليس بشعارات الغرب الديمقراطية العوجاء التي شرّدت الملايين في السابق وتشرّدهم الآن، ولكنها برسالة السعودية الخالدة (رسالة السلام).

دامت السعودية، فخرًا للإسلام وعزًا للعرب ومجدًا تليدًا للسعوديين بناه آباؤهم وسيسيرون عليه.