بينما يتحدث العالم عن تداعيات وخيمة لأي تجمعات كبيرة في ظل تفشي فيروس كورونا، أدارت المملكة بنجاح حشودًا ضخمة لأداء الحج والعمرة خلال العامين الماضيين، وسط إجراءات دقيقة ومشددة، وخطوات محسوبة على كافة المستويات، يتصدرها «صحة الإنسان أولًا»، كشعارٍ ظلت ترفعه المملكة خلال تلك الفترة.

العودة الحذرة

فور تفشي جائحة كورونا، أعلنت المملكة التوقف التام عن أداء العمرة في الحرمين الشريفين، واقتصار الصلاة بهما على العاملين بهما فقط، بينما اتخذت التدابير اللازمة للمعتمرين العالقين في مكة والمدينة، وذلك بتوفير سبل نقلهم لبلدانهم وأعفتهم عن الآثار القانونية المترتبة على تأخر مغادرتهم.

جاء ذلك بالتزامن مع فرض حظر كلي أو جزئي في جميع أنحاء البلاد، وتعليق الدراسة والعمل، ومنع التجمعات، وعدم السماح بالخروج والعمل إلا للضرورة الحتمية، إلى أن كانت المملكة أولى الدول التي وفرت اللقاحات المضادة لفيروس كورونا داعية كافة مواطنيها إلى تلقي التطعيم لتوفير الحماية المجتمعية المناسبة.

إجراءات احترازية

وبالتزامن مع تطعيم سكان المملكة من مواطنين ومقيمين بلقاحات كورونا، بدأ السماح بالعودة التدريجية لأداء العمرة، وذلك على عدة مراحل بدأت في 4 أكتوبر 2020، بالسماح لـ6 آلاف معتمر يوميًا، بنسبة 30% من الطاقة الاستيعابية التي تراعي الإجراءات الاحترازية الصحية للمسجد الحرام، فيما تم تطبيق المرحلة الثانية في 18 أكتوبر من العام ذاته، بنسبة 75% من الطاقة الاستيعابية بواقع 15 ألف معتمر، و40 ألف مصل يوميًا، و75% أيضًا من الطاقة الاستيعابية للروضة الشريفة في المسجد النبوي.

وفي المرحلة الثالثة، أقرت المملكة، السماح بأداء العمرة والزيارة والصلوات للمواطنين والمقيمين من داخل المملكة وخارجها، وذلك بنسبة 100% من الطاقة الاستيعابية (20 ألف معتمر/ اليوم، 60 ألف مصلٍ/اليوم)، فيما تم رفع الطاقة الاستيعابية اليومية في المرحلة الرابعة إلى 70 ألف معتمر يوميًا، وذلك خلال سبتمبر 2021.

تنظيم استثنائي

كان موسم الحج 1441موسمًا استثنائيًا، اقتصر على 10 آلاف حاج فقط جميعهم من داخل المملكة من مواطنين ومقيمين، 70% منهم من غير السعوديين المقيمين داخل المملكة، و30% فقط من المواطنين الذين تضمنوا فقط الممارسين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من فيروس كورونا، كما اقتصر الحج على الفئة العمرية بين 20 و50 عامًا ممن لا يعانون من أمراض مزمنة.

أما موسم الحج 1442، فقد شهد تنظيمًا استثنائيًا، بدأ بقرار المملكة باقتصار الحج على عدد محدود من المقيمين والمواطنين بلغ 60 ألف حاج، بما يكفل إقامة الشعيرة على نحو آمن وصحي، وانتهى بنتيجة واضحة أعلنها وزير الصحة السعودي، توفيق الربيعة، بنجاح موسم الحج من الناحية الصحية، دون تسجيل أي إصابة بفيروس كورونا، وهو ما يستدعي إلقاء الضوء على تلك الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها المملكة.

القدوم والوداع

وكعادتها، تفردت المملكة بأداء متميز لإدارة الأزمات من موقف قوة، وهو ما بدا واضحًا في موسم حج طبّق باحترافية الإجراءات الاحترازية والوقائية، واستُبق بمضاعفة أعداد متلقي لقاح كورونا، لتضع المملكة التحصين شرطًا أساسيًا لإقامة شعائر الحج، كما استكملت الجرعات لـ60 ألف حاج خلال أيام.

وأعدت رئاسة الحرمين خطة بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة والجهات المعنية لتسهيل أداء الحج، من خلال رفع الطاقة الاستيعابية للمسارات الافتراضية بصحن المطاف إلى 25 مسارًا، وتعدد مداخل ومخارج الحجاج لأداء طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع، كما وفرت رئاسة الحرمين أكثر من 3000 عربة كهربائية لتسهيل حج كبار السن وذوي الإعاقة.

حج ذكي

ولم يكن «حج ذكي» أحد التطبيقات الإلكترونية التي أطلقتها المملكة لتسهيل أداء الفريضة الخامسة فقط، وإنما كانت تلك هي الآلية التي اتبعتها المملكة بخاصة في إطار أزمة كورونا، لتقليل الاختلاط بين الحجاج، وتقديم كافة ما يلزم من خدمات واستشارات بأسهل الطرق.

وخلال موسم الحج 1442، تم إطلاق عدد من الروبوتات لتسهيل العمل بالإجراءات الوقائية، حيث استُخدمت تلك التقنية في تعقيم المسجد الحرام، وذلك بتوفير روبوت يعمل بالتحكم الآلي وفق خريطة مسبقة لتعقيم مساحات أوسع من الحرم المكي، على فترات متقاربة ودون تدخل بشري لتوفر بيئة صحية للحجاج.

وفي الإطار ذاته، تم إطلاق خدمة «روبوت الفتوى الآلي»، الذي يمكن الحجاج من التواصل المرئي عن بُعد بين السائل والمفتي على مدار 24 ساعة، وتقديم التوعية والإرشاد اللذين يحتاجهما الحجاج، بينما تركزت مهمة «الروبوت الأمني» في متابعة الالتزام بالتدابير الاحترازية والوقائية، كما يمكنه قياس درجة حرارة الحاج، وملاحظة مدى الالتزام بارتداء الكمامة، كما تم دعم إدارة سقيا زمزم بالروبوت الذي تولى توزيع عبوات ماء زمزم مبردة معقمة من دون تدخل بشري ‏حرصا على تطبيق الإجراءات الاحترازية، حيث يمكن للروبوت توزيع 30 عبوة في جولة تستغرق أقل من 10 دقائق.

واستحدثت المملكة آليات ذكية أخرى بشكلٍ تجريبي، تتمثل في سوار الحاج الذكي «نسك» وذلك للمرة الأولى، حيث يأخذ السوار هيئة ساعة اليد التي يرتديها الحاج، ويسمح بمتابعة ورصد بيانات الحالة الصحية المتعلقة بقياس نسبة أكسجين الدم ونبضات القلب.

بروتوكولات صحية

ووضعت وزارة الصحة البروتوكولات الصحية لحج وعمرة آمنين، وتطبيقها على كل من العاملين والموظفين، فضلًا عن الشروط الصحية للزائرين من داخل وخارج المملكة، حيث أقرت أنه بداية من أغسطس 2021، يجب أن يكون كافة العاملين والموظفين محصنين (محصن جرعتين، محصن جرعة واحدة، محصن متعاف) وفقاً لتحديث الحالة في تطبيق «توكلنا»، واقتصار الدخول على الأفراد المحصنين (محصن جرعتين أو محصن جرعة واحدة أو محصن متعافي) وفق تحديث الحالة في تطبيق «توكلنا»، ويستثنى من ذلك الفئات غير الملزمة بأخذ اللقاح (الفئة العمرية (أقل من 12 سنة) أو الحالات الصحية المستثناة، وفقًا لما تصدره وزارة الصحة أو هيئة الصحة العامة.

أما فيما يتعلق بمقدمي الخدمات للحجاج والمعتمرين، فإنه يتوجب على الجميع أن يكونوا محصنين (محصن جرعتين أو محصن جرعة واحدة أو محصن متعاف) وفق تحديث الحالة في تطبيق «توكلنا»، وفي حال رغبة المنشأة بوجود العامل غير المحصن في مقار العمل فيتوجب حصوله على نتيجة سلبية للفحص المخبري PCR لا تتجاوز مدة سحب العينة فيها سبعة أيام وتقع التكلفة على (حساب المنشأة).

إشادة عالمية

قصة نجاح سطرتها المملكة في إدارة حشود ضخمة في إطار مسؤوليتها الاجتماعية تجاه السماح بأداء المناسك والحفاظ في الوقت نفسه على صحة المواطنين.. هكذا ينظر العالم إلى أداء المملكة خلال موسم الحج في ظل تلك الظروف الاستثنائية.

ففي أعقاب إعلان السعودية نجاح موسم الحج صحيًا، أشادت منظمة الصحة العالمية بالإجراءات التي اتخذتها المملكة في موسم الحج هذا العام، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وضمان سلامة الحجاج، حيث قال مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في تغريدة على «تويتر»: «بينما يجتمع المؤمنون لأداء فريضة الحج هذا العام، نرحب بتخطيط الصحة العامة، والخطوات التي اتخذتها السعودية لضمان سلامة الحجاج ومجتمعاتهم خلال جائحة كورونا».

من جانبه، أشاد الاتحاد الأوروبي بالتنظيم الرائع لموسم الحج هذا العام، الذي تمت إدارته بكفاءة عالية، ترتب عليها عدم تسجيل أي حالات إصابة بفيروس كورونا بين عامة الحجاج، كما أشادت الصحف العالمية بجهود المملكة خلال موسم الحج بخاصة في ظل التحديات التي واجهتها من إدارة تلك الأعداد الكبيرة في ظل جائحة كورونا.

حج 1442 بالأرقام

60 ألف حاج

150 جنسية

0 إصابات كورونا

14 مستشفى تقدم خدماتها للحجاج

22 مليون مواطن ومقيم تلقوا التطعيم قبيل الحج

25 مسارا للطواف حول الكعبة

3000 عربة كهربائية لكبار السن

4000 عامل وعاملة

10 مرات تعقيم يومي