لقد أظهرت احتفاليات اليوم الوطني الحادي والتسعين للمملكة العربية السعودية في ساحات وشوارع المدن والبلدات السعودية ذلك الكم الهائل من الطاقات البشرية التي تمتلكها بلادنا حماها الله من شر الأشرار وكيد الفجار .

إن طاقات الشباب المتدفقه أشبهها بالسيول أو الأنهار الجارية إذا تم استغلالها فستنعم الأرض وأهلها بالخير والنماء والرخاء، وإذا لم يتم الاستفادة منها فستذهب إلى نهاية المصب في الصحراء أو البحر دون فائدة

ومن هنا نقول، بأن طاقات فئة الشباب والشابات في بلادنا بحاجة ماسة إلى الرعاية والتوجيه السليم والتوظيف العلمي لتكون في مسارها الصحيح. الوطن لا يحتاج منا إلى استعراض ورقص ومناظر فوضوية في الشوارع ورفرفة أعلام على أعمدة الكهرباء ... ثم نذهب للمنازل لنغط في نوم عميق بعد الجهد الفوضوي الجبار الذي بذلناه في استعراض كافة الرقصات والعرضات الشعبية والمستوردة والحركات البهلوانية في الساحات والشوارع مما أدى إلى تعطيل حركة المرور في المدن والبلدات. لقد كنا بهذه التصرفات نحاول أن نقنع أنفسنا بأننا على مستوى عال من الوطنية وهذه التصرفات التي لا يتناسب بعضها مع القيم والمبادئ الدينية والحضارية ليست عنواناً للوطنية لأن المهم ليس المظاهر الاحتفالية وإن كانت مطلوبة بشكل منظم ، وإنما الأهم هو الإحساس بالحب والولاء والفداء والعطاء للوطن ( قيادةً وحكومةً وشعباً وأرضاً ).

إن نشر الوعي وتطبيقه اهم بكثير من الاستعراض والحركات الدرباوية، وما حصل ويحصل في الأعياد والاحتفالات الوطنيه من سلبيات يعتبر مؤشراً لكل المواطنين والمسؤولين على ضرورة المعالجة الإيجابية لقدرات الشباب وطاقاتهم، وأن على الجميع إدراك حاجة الوطن إلىٰ الاستفادة من طاقات الشباب وقدراته في كل الحقول والمجالات مثل معرفة الشباب لمتطلبات خطط التنمية وأين وصلت كما كان يفعل شباب ماليزيا وسنغافورة حتى وصلت بلدانهم إلى ما وصلت إليه من تقدم ورقي.

إن من طرق استغلال طاقات الشباب التجنيد بالخدمة العسكرية في الجيش السعودي بما يضمن كفاءة الأفراد لتلبية نداء الوطن لحمايته وصيانة أراضيه إذا استدعت الضرورة ذلك، وأيضاً في المجالات المدنية المتعددة في القطاع الخاص والقطاع العام في مجالات الإعمار والبناء والطرق وغيرها التي تقوم بها الحكومة والشركات.

إن رؤية وإستراتيجية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - التي تقوم على دفع المملكة للقمم، تحتاج لأيد عامله و بَنَّاءَة وطاقات بشرية شابة مدربة ومبدعة وخلاقة.

ولهذا نقول بأن الرقص باللباس المستورد و"الهجولة" الدرباوية في الشوارع والساحات.. التي تميز بها بعض المشاركين ولا أقول كل المحتفلين لن تحمي الأرض ولن تصون العرض ولن تؤدي إلى الدفع برؤية (2030 ) الطموحة إلى النجاح.

إن من المُسَلَّم به في قوانين الطاقة بأن تكدس وتراكم هذه الطاقات في الأجساد يحتاج إلى التصريف الإيجابي بشكل او بآخر، وما دام الأمر كذلك فلماذا لا تُصرف طاقات الشباب والشابات بحيث تُستثمر في البناء و الإعمار بدلاً من أن يستهلكها الشباب في الشقلبة والتفحيط و (لعب البوبجي) وضياع ربيع أعمارهم ويصطادهم المفسدون في الأرض بجرهم إلى طريق المخدرات والتهريب وغيرها من النشاطات التي تهدم دوراً ولا تعمر داراً .

إن بعض الظواهر التي نراها تنتشر وتتجذر بصمت في مجتمعنا هي جزء من مخططات القوى المعادية التي تقوم سراً وعلانية بنشرها وبالتالي فهي ورم سرطاني خبيث ينتشر في جسم الأمة السعودية بهدوء ليدمر ويقتل هذا الجيل الحالي من شبابنا للقضاء على طموح القيادة والشعب السعودي للوصول إلى مكانتها الطبيعية المخطط لها في مجال التقدم والرقي.

إن هذا المقال ليس إلا صوت مواطنة بسيطة أحبت وطنها وقيادته وبني جلدتها وتشعر بواجب التنبيه لمعالجة ظواهر تشكل خطراً على المجتمع بشكل عام وعلى الشباب بشكل خاص لأنها تهدم تطلعاته ومستقبله.

إن من حق كل مواطن أن يفرح في عيد يومه الوطني ولكن بطرق حضارية مثل رفع الأعلام على المنازل وشرفات الدور والشقق السكنية وإضاءتها وتبادل الزيارات والتنزه في الحدائق ومواقع السياحة بمظاهر الفرحة وإبراز منجزات الوطن في الإعلام وغيره، ولا بأس من احتفالات الشوارع والمراكز الحضارية المُنَظَّمة ولا نكتفي بأعلام ترفرف بدون أن نكون حقاً قد قدمنا جهوداً مخلصة تترجم على أرض الواقع إلى احتفالات حضارية تبرز إنجازات القيادة والشعب من أجل هذا الوطن. أقول بشكل واضح وصريح " إن من لم يقدم للوطن خدمة جليلة وهو قادر فليس من حقه أن يحتفل بوطنيته لأنه لم يفعل لوطنه ما يستحق أن يحتفل به" . إن توظيف وتطويع وتجيير هذه الطاقات البشرية الجبارة لخدمة الوطن لا يستثنى منه السواعد الناعمة وليس حكراً على الشباب دون الفتيات.

إن لدينا الكثير من البرامج التدريبية والتي تقوم على تطوير طاقات وقدرات الشباب الاحترافية في كل المجالات مما يستوجب أن نخضع جميعاً لها طوعياً أو منهجياً لأن تطوير الذات هو بناء للإنسان وهو تطوير لقدرات الوطن لمقاومة العواصف المعاديه التي تَهُبُ من كل اتجاه. إننا لا نحتاج لكارثة مثل وباء كورونا حتى نفتش عن العناصر المدربة بين ملايين البشر للعمل التطوعي في المستشفيات ومساعدة الكوادر الطبية أو للعمل لتفادي خسائر الكوارث الطبيعية والصناعية والحروب وغيرها، ومن غير المنطق والمقبول أن ننتظر حتى يقع الإنذار لنستعد، فهذا بمثابة تطبيق لمقولة الغباء (لن أتعلم السباحة حتى يواجهني الطوفان وأغرق) ، والمفترض أن نتعلم السباحة وأعني كل تَعَلُمْ كل القدرات حتى لا نغرق وقياساً على ذلك في كل مجالات الخدمة الوطنية التي تجعل حب الوطن مثل الدم الذي يجري في العروق ونبضاً إيمانياً تحيا به القلوب وروحاً رحمانية يسمو بها الجسد.

إن الوطنية ليست أفعالاً (درباوية) بل هي بذل كل غال في سبيل حماية مكتسبات الوطن والذود عنه ورفعته وتقدمه.

الوطنية هي البذل والولاء والتضحية والعطاء والفداء. إن الوطنية ليست اختلاط المراهقين من الشباب والشابات في مناظر مشينة ومعيبة ومخلة بالآداب والقيم يتخللها الرقص في الشوارع على الأغاني إلى آخر الليل ... بل الوطنية أن يعمل المواطن كل عمل إيجابي يعطي للآخرين انطباعاً بأنك إنسان متحضر تعيش في وطن متحضر.

(إن وطنا لا نحميه لا نستحق العيش فيه)