استحق المعلم لمكانته وأهمية دوره التربوي، أن يكون ضمن توصيات واتفاقات تمت بين منظمة اليونيسكو المعنية بالتربية والعلوم، ومنظمة العمل الدولية، في عام 1966؛ بشأن الاهتمام بوضع المعلمين ودورهم في تنشئة الأجيال وما تتطلبه المهنة من رعاية وتقدير من الجهات المسؤولة عن التعليم بمؤسساته المختلفة، ومن القطاعات المعنية بنظام العمل ومرونته وانضباطه؛ وكان عام 1994 العام الأول للاحتفال بيوم المعلم العالمي، كأحد الأيام التي تحتفي بها المنظمات الدولية المختلفة، لجذب الانتباه المستهدف والاستقطاب العام والمسؤول نحو قضايا وتحديات تواجه المعنيون بتلك الأيام المحتفل بها.

لا شك أن للمعلم مستحقات ومتطلبات مادية ومعنوية وتربوية، يجدر الانتباه إليها وتقديرها بما تستحق من سياسات وتدابير مناسبة ولائقة بمهنة تربية الأجيال وتعليمهم، والذي يرتبط بالتزامات مؤسسية ونظام عمل ولوائح محددة تؤطره، بما يناسب قيمة المهنة تربوياً ومجتمعياً، لتقوم بتنفيذها قطاعات التعليم بمختلف مستوياته ومجالاته ومسؤوليه، فتكون مخرجاته من الطلاب/‏ات، نموذجاً يعكس مستوى لائق من التعليم المعرفي والإعداد التربوي المناسب لأبنائنا، في ظل ما يواجه المجتمع من تحديات ومتغيرات متجددة ومتسارعة.

من حقوق المعلمين، أن يعاملوا بتقدير واحترام يليق بدورهم التربوي، وبما يمنحهم مكانة اجتماعية ومعنوية يستحقونها، ومن حقهم أن تكون رواتبهم مجزية تكافئ قيمة ما يقدمونه من أعمال، وما يسعون إليه من تميز في أدائهم التربوي، وفي مستوى تمكنهم من تطوير ذاتهم وتحسين عطائهم بما يواكب متغيرات العملية التعليمية، وبما يواكب العصر في تطور تقنياته بآلياته المستجدة التي تناسب الأجيال الحالية والمستقبلية، وبما يخدم العملية التعليمية في تحقيق أهدافها التربوية والمعرفية، وينعكس على جودة في المخرجات، وتهيئة لأجيال المستقبل بما يكتنفه العصر من تحديات ومنافسات متنوعة.

المعلمون قدوة للطلاب/‏ات في جميع ما يقومون به من أعمال وسلوكيات سواء ما يتعلق بالعملية التعليمية بتفاصيلها، أو ما يصدر من المعلم من سلوكيات ذات صلة بالحياة اليومية التي يعيشها الطالب بين أروقة المدرسة أو الجامعة، وبذلك تُغرس القيم وتُبنى المبادئ المجتمعية وتُرسخ المفاهيم الدينية لدى الأجيال، فالمعلم له قوة تأثير على طلابه، بقدر ما يستطيع أن يكسب عقولهم وقلوبهم، إذ يتمكن المعلم من احتواء طلابه معنوياً، بالقدر الذي يتميز به في عطائه وفي تعامله معهم.

لا يستطيع المعلم الكفؤ أن ينجح في أداء مهامه المكلف بها، أو تلك التي يسعى إلى تطويرها لدى طلابه، إلا في إطار بيئة تعليمية مُحفزة وممكنات مادية وبشرية تدفعه إلى جودة العطاء والتميز في الأداء، ومن تلك الممكنات المادية، صلاحية المباني الدراسية والفصول، وما يلحقها من خدمات ومرافق مختلفة، تتطلبها الحاجة العلمية والتربوية والصحية للطلاب والمعلمين، علاوة على توفير مختلف الوسائل التعليمية المطلوبة لكفاءة العملية التعليمية، كالأجهزة الحاسوبية وخدمة الإنترنت والوسائل المعرفية الأخرى.

توفير البنية التحتية للمعلم، يكون بداية بالاهتمام بكفاءة مستواه المعرفي، وجدارته في تحمل مسؤولية التعليم، لأن ليس كل متخصص في مجال علمي، هو صالح لأن يكون معلماً، كما أنه ليس كل تربوي يكون متفوقا في أدائه التعليمي، لأن الكفاءة في التعليم هي نتاج جملة من المتطلبات والممكنات، يمثل التخصص العلمي أحدها، في حين تحتل المهارة والقدرات الخاصة والمكتسبة، جانباً مهماً وأساسياً في تميز المعلم وجودة عطائه.

وكما أن للمعلم حقوقا، فإن عليه التزامات ومسؤوليات تفرضها طبيعة العملية التعليمية بما تتضمنه من تغيرات مستجدة تستدعي الإلمام بها، سواء ما تتطلبه من إثراء معرفي وتمكن ذاتي في التعامل مع الوسائل التعليمية المختلفة، أو ما يحتاجه من استمرارية في التحسين والتطوير للمؤهلات والمهارات المطلوبة، لأن التعليم عملية ديناميكية ومتغيرة بصفة مستمرة، فهي ليست جامدة تنتهي مفرداتها وآليتها من حيث انتهى تعليم المعلم، ولا يكون الاتقان في التعليم والإبداع فيه، إلا بالتناغم والتكامل مع هذه المتغيرات والتحولات المتجددة، بما يستدعي الاستمرارية في التدريب والتأهيل وتعزيز المهارات بصفة دائمة ومستمرة ما بين آونة وأخرى، وإلا فستكون هناك فجوة معرفية ما بين المعلم وطلابه من جهة، وبين متغيرات العصر ومتطلباته من جهة أخرى.

جودة التعليم وتحسين مخرجاته، يقتضي عدم تحميل المعلم نصابا تدريسيا يفوق الحد النظامي للتدريس، وعدم تكديس الفصول بالطلاب، لأن ذلك سيؤثر بلا شك في جودة الأداء في العطاء، ويمتد تأثيره إلى تقليص الوقت المتاح للمعلم للتفرغ فيه لتطوير ذاته معرفياً، والارتقاء بمهاراته وقدراته المطلوبة، كما أن تكليف المعلمين بمهام إدارية ومسؤوليات مختلفة تضاف إلى نصابهم التعليمي، يُضعف من قدرة تركيزهم في العملية التعليمية، ويشتت جهودهم ما بين مسؤوليات تنعكس سلباً على جودة المخرجات.

زيادة عدد المعلمين والمعلمات، ومتابعة تطويرهم المستمر لمهاراتهم وقدراتهم، وتيسير سبل التدريب والتمكين لهم، سيسهم في جودة المخرجات، وسيعالج كثيرا من التحديات التي تواجه المعلمين في مستوى عطائهم وفي قدرتهم على مواكبة مستجدات العملية التعليمية، كما أن نزاهة التقييم للمؤسسات التعليمية بما تحتويه من كوادر بشرية وإمكانات مادية وبنيوية، سيخلق منافسة شريفة بين مؤسسات التعليم نحو التميز، والذي تتحمل مسؤوليته إدارات التعليم في المناطق بالتنسيق مع الإدارة العليا للمؤسسة التعليمية، بما يحد من مركزية الإدارة التعليمية، ويحفز نحو التميز والإبداع في مستوى أداء المؤسسات التعليمية.