ما بدأ كحرب تجارية بسبب سياسات الصين الاقتصادية «العادلة» حسب الوصف الأمريكي، تطور الآن إلى ما يسمى بـ«الحرب الباردة المدفوعة بأيديولوجيات مختلفة».

تراجعت العلاقات الثنائية بين أمريكا والصين عام 2018 عندما أدى هوس الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالعجز التجاري إلى فرض تعريفات عقابية على الصين، أعقبها فرض رسوم جمركية على وصول الصين إلى المنتجات الأمريكية عالية التقنية والاستثمارات الأجنبية التي تنطوي على مخاوف أمنية ومزاعم عن ممارسات تجارية صينية غير عادلة.

بدوره، ضخم الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسات سلفه بتعزيز التحالفات المناهضة للصين وتنفيذ عقوبات إضافية.


التجارة

كان الخطأ الأول لإدارة ترمب شن حرب تجارية هو افتراض أن العجز التجاري لأمريكا، والذي يحدث عندما تستورد دولة ما أكثر مما تُصدّر، ليس مؤشرًا جيدًا على حالة الاقتصاد، فيما الموازين التجارية الأمريكية مدفوعة إلى حد كبير بالعجز المرتفع في الميزانية الفيدرالية الأمريكية، والذي لا علاقة له بالصين.

فبعد 3 سنوات من بدء الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب لإصلاح العجز التجاري لأمريكا، عادت التجارة الثنائية بينها وبين الصين الآن إلى أعلى مستوياتها، وزاد الفائض التجاري للصين، وازداد العجز في أمريكا سوءًا.

وردد ترمب أن الشركات الأمريكية كانت تفرط في الاستثمار في الصين، مما أدى إلى خسارة القدرة التنافسية، ولكن على مدى العقدين الماضيين، ذهب 1 إلى 2% فقط من الاستثمار الأجنبي الأمريكي السنوي إلى الصين.

الملكية الفكرية

ادعت أمريكا أن الصين فشلت في حماية حقوق الملكية الفكرية، وسرقت الملكية الفكرية الأجنبية، خاصة التكنولوجيا، ولكن بعد حساب حجم المعاملات الخارجية وأنشطة البحث في الصين، ظهرت أن ذلك ربما يكون مبالغًا فيها، كما بلغت محاكم براءات الاختراع الصينية مرحلة النضج في التعامل مع هذه المشكلة - فالمدعون الأجانب من المرجح الآن أن يفوزوا بقضاياهم أكثر من الشركات المحلية.

إضافة إلى أن السرقة أصبحت أقل أهمية لأن مدفوعات الحقوق والتراخيص من قبل الشركات الصينية، وفقًا لأحد الباحثين في مركز أبحاث، نمت بمعدل 4 أضعاف تقريبًا في السنوات الـ10 الماضية، مما يجعل الصين ثاني أكبر دافع لمثل هذه العوائد على مستوى العالم.

الحقيقة هي أن الأمر يستغرق أجيالًا لتطوير نظام سليم لحقوق الملكية الفكرية، لكن الصين وخلال 20 عامًا ومن خلال الإصلاحات التي رافقت انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 حققت تقدمًا ملحوظًا، كما يتضح من نتائج «مسح مناخ الأعمال 2020» من قبل غرفة التجارة الأمريكية في الصين، والذي أشار إلى أن نحو 70% من الشركات الأمريكية التي شملها الاستطلاع في الصين شعرت أن إنفاذ الصين لحقوق الملكية الفكرية تحسن، مقارنة بـ47 % فقط عام 2015.

الحماية

هناك أيضًا مخاوف من أن سياسات الاستثمار الصينية تعامل الشركات الأجنبية معاملة ظالمة، وإحدى الشكاوى هي استخدام الصين للإعانات. حيث تقدم جميع البلدان إعانات للشركات والأسر المحلية، كدعم أمريكا للمزارعين، وخصومات ضريبية للأسر لتشجيع استخدام الطاقة النظيفة، ولكن في الصين، تميل الإعانات إلى التركيز بشكل أكبر على استخدام البنوك وأسواق الأسهم في البلاد لدعم شركات التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الإستراتيجية.

قد تختار الحكومة الأمريكية الضغط على الصين لتحسين مواءمة سياساتها مع المعايير الغربية، ولكن بدلًا من ذلك، تنسخ إدارة بايدن قواعد اللعبة الصينية من خلال اقتراح إعاناتها الخاصة لتعزيز الصناعات الإستراتيجية.

وتتجلى ميول الصين للحماية أيضًا في اشتراط قيام الشركات الأجنبية بتشكيل مشاريع مشتركة مع الشركات الصينية المحلية كشرط لدخول الأسواق في بعض القطاعات الاقتصادية. وقد أشير إلى هذا كوسيلة لتعزيز النقل القسري للتكنولوجيا، حيث تقوم الشركات الأجنبية بنقل التكنولوجيا الجديدة إلى شركائها الصينيين، لكن هذه المتطلبات الصينية، بدت أقل صرامة في الأعوام الأخيرة، كما يتضح من الاستثمارات الأجنبية الكبرى في التصنيع الكيميائي (BASF)، والسيارات (Tesla)، والتمويل (BlackRock). فقد سُمح لهذه الشركات الأجنبية لأول مرة بدخول القطاعات الرئيسة دون شريك صيني.

علاقات ثنائية

سر العلاقات الاقتصادية الأكثر انسجامًا هو الاعتراف بأن الصين الأكثر تقدمًا يجب ألا تهدد رفاهية الغرب، فأمريكا وأوروبا والصين تتمتع بمزايا نسبية مختلفة تنعكس في تكوين صادراتها، حيث تتخصص أوروبا في السلع والآلات الاستهلاكية عالية الجودة، وأمريكا في المنتجات الزراعية والمكونات عالية التقنية والخدمات، والصين في السلع الاستهلاكية الأساسية والمدخلات.

ومع ذلك، فإن التوترات بين أمريكا والصين أصبحت الآن مدفوعة بشكل أقل بالوقائع الاقتصادية بل بسبب التنافس بين القوى العظمى - وهي عوامل تفاقمت بسبب انعدام الثقة المتبادل بشأن النوايا الإستراتيجية لبعضهما.

في وصف علاقة أمريكا المتعددة الأوجه مع الصين، شددت إدارة بايدن على الحاجة إلى «التنافس والمواجهة والتعاون» جميعًا في نفس الوقت. ولكن كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينج في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021، فإن «المنافسة هي من أجل السعي وراء التميز - وليس قتل منافس».

لم يكن للتدابير التجارية العقابية تأثير يذكر فيما يتعلق بتغيير النتائج الاقتصادية، وتوضح تجارب البلدان في جميع أنحاء العالم أن العقوبات عمومًا لا تفعل شيئًا يذكر لحمل الحكومات على تغيير معتقداتها الأساسية.

خطوات عملية

التحدي الآن هو الابتعاد عن الحرب الباردة المدمرة من خلال العمل داخل النظام الاقتصادي الدولي للتحكيم والتخفيف من حدة التوترات، وقد يتعين أن تأتي مبادرة مثل هذا التعهد من أوروبا، بالنظر إلى أن الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا متحدون في نهجهم المتشدد تجاه الصين.

قد يكون لأوروبا وأمريكا أهداف متشابهة في التعامل مع الصين، لكن أوروبا أكثر اندماجًا اقتصاديًا مع الصين من حيث الاستثمار والتدفقات التجارية. وبسبب هذا، فإن الجانب التنافسي لعلاقتهم يوفر إمكانية أكبر لتحقيق المنفعة المتبادلة. علاوة على ذلك، فإن أوروبا ليست منشغلة بسياسات القوة العظمى ولا تعتمد على المزايا التكنولوجية مثل أمريكا مما يجعلها أكثر انفتاحًا على التسوية.

إذا كانت أمريكا تريد الحفاظ على سلطتها التكنولوجية والأخلاقية، فعليها أولًا التعامل مع نقاط الضعف الاقتصادية والسياسية في الداخل. فالتحسر على سياسات الصين غير العادلة ونظامها الاستبدادي لن يحل هذه المشكلة. لذا بدلًا من ذلك، يجب على أمريكا التركيز على تعزيز قدرتها التنافسية الاقتصادية، وصياغة التماسك السياسي الداخلي، والعمل مع الشركاء الأوروبيين والآسيويين لبناء مؤسسات دولية دائمة.

توزع التخصصات

أوروبا

السلع والآلات الاستهلاكية عالية الجودة

أمريكا

المنتجات الزراعية والمكونات عالية التقنية والخدمات

الصين

السلع الاستهلاكية الأساسية والمدخلات.